الكاتب: امين مصطفى/ كاتب لبناني
نفذت قوات الغزو الاسرائيلية في اعقاب غزو العام 1982، حرب ابادة فعلية ضد ابناء الشعب الفلسطيني واللبناني على حد سواء، وقد فاقت المجازر التي ارتكبت ضد هذا الشعب في هذه الفترة كل المجازر السابقة التي ارتكبتها "اسرائيل" ضد الامة العربية، وقد ظنت ان هذا الاسلوب سيمكنها من الاحتفاظ بالاراضي التي وقعت في قبضتها طويلا، سواء في الجنوب او البقاع الغربي، او حتى في العاصمة بيروت، لاملاء الشروط السياسية والامنية والاقتصادية على لبنان كما تريد.
ولو حاولنا ان نستعرض الممارسات اليومية لقوات الغزو، منذ الرابع من حزيران / يونيو 1982 وحتى نهاية العام 1985، حين اشتد ساعد المقاومة ضد الاحتلال، لوجدنا انها كانت تنطوي على حقد مبيت، وعلى همجية قل نظيرها في التاريخ القديم والمعاصر، اذ استخدمت ضد الشعب كل وسائل الدمار والفتك، بعضها جرب لاول مرة، فكان لبنان محطة تجارب للذخيرة الامريكية الحية، لمعرفة مدى فعاليتها وخطورتها، والبعض الاخر كان تقليديا.
لقد دمرت القوات الغازية، المنازل فوق رؤوس المواطنين اللبنانيين الابرياء، واصطادت قوافل المدنيين الهاربين من جحيم القصف باتجاه بيروت والبقاع، فداست الدبابات بعض السيارات المدنية، واحرقت البعض الاخر، كما قتلت عمدا عشرات المواطنين بعد استسلامهم، واحرقت المخيمات الفلسطينية، خاصة مخيم عين الحلوة الذي دمرته بنسبة كبيرة، واشرفت على مجزرة صبرا وشاتيلا، وفتحت عددا من السجون لزج العشرات من اللبنانيين والفلسطينيين فيها، حيث اخضعوا لاستجوابات وتحقيقات نازية رهيبة، ادت الى قتل عدد من المعتقلين والى احداث عاهات مزمنة في عدد آخر.
ومهما قلنا وتحدثنا عن تفاصيل الممارسات اليومية الاسرائيلية اثناء اجتياحها لبنان في العام 1982، فان الوثائق والادانات الكثيرة تحتاج الى مجلدات كاملة، لا يتسع لها المجال هنا، لذلك سنتوقف عند ابشع الجرائم، للاشارة الى طبيعة قوات الغزو واستهدافاتها الاساسية، مما يجعلها مؤهلة الى ان تستحق لقب "دولة الارهاب الاولى في العالم" عن جدارة، وبحسب احصاء رسمي لبناني، في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، فان عدد القتلى خلال الاجتياح، بلغ نحو 19.085 قتيلا، و31.915 جريحا، ونزوح 500.000 شخص، بينهم 100.000 لجأوا الى غربي بيروت، وتوزع الباقون في مناطق الشمال والبقاع، اما الخسائر المادية فكانت بمليارات الدولارات.
واذا استثنينا حملات الدهم والاعتقال والحصار والاذلال في الساحات العامة، واقتحام المساجد، والاعتداء على رجال الدين، ونفي العشرات من المواطنين، فاننا نشير الى حوادث ستظل ابدا في الذاكرة، استنادا الى وثائق الحرب الصادرة عن المركز العربي للابحاث والتوثيق، منها:
ـ سحق عائلة جنوبية تحت جنازير دبابة "الميركافا" على طريق البازورية كانت تستقل سيارة مدنية متجهة الى بيروت.
ـ خطف واغتيال الشيخ راغب حرب.
ـ تفجير سيارة مفخخة امام بناية العلايلي التي كان يسكنها رئيس التنظيم الشعبي الناصري مصطفى معروف سعد، في صيدا، فقتلت ابنته ناتاشا (13 عاما)، كما قتل مرافقه مصطفى التنير، واصابة 40 شخصا بجروح مختلفة، اما سعد ففقد بصره، واصيب بجراح عدة في انحاء جسمه، كما فقدت زوجته الروسية احدى عينيها، على اثرها مكث سعد مدة 107 ايام للعلاج في بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية، قبل ان يعود الى بيروت ثم صيدا لاستكمال نشاطه، وقد تم التفجير في 21/1/1985.
ـ 28/1/1985، اطلاق نيران الرشاشات الاسرائيلية باتجاه سيارة نقل طلاب من بلدة البازورية، ادت الى مقتل طفلة، واصابة شخص آخر بجروح.
ـ 5/2/1985، انتقاما للعملية الفدائية التي نفذها حسن قصير ضد قافلة اسرائيلية في البرج الشمالي، اقتحمت مجموعة من الجنود مؤسسة جبل عامل التي تضم 8000 طالبا وطالبة من الايتام، واطلقت القذائف والقنابل داخل غرف النوم، مما تسبب بجرح 30 طالبا وطالبة واعتقال 40 آخرين نقلوا الى "اسرائيل".
ـ 11/2/1985، مقتل امرأة وجرح 3 آخرين برصاص التمشيط الاسرائيلي في صيدا وضهور الصرفند.
ـ 14/2/1985، اقتحام بلدة برج رحال وقتل فتى يدعى حبيب معاز واعتقال 70 شابا، وتدمير عدد من المنازل.
ـ 20/2/1985، مجازر اسرائيلية رهيبة ضد بلدتي عربصاليم في منطقة النبطية والبازورية، في منطقة صور، ذهب ضحيتها 4 من عربصاليم واثنان من البازورية، اضافة الى 3 شهداء في طيردبا.
ـ 21/2/1985، قوات الاحتلال تستخدم "القبضة الحديدية" بمئات الدبابات والاليات المدرعة وعشرات الجنود، ضد قرى المواجهة السبع في منطقة صور، وامتدت لتشمل عددا من القرى الجنوبية الاخرى، وقد واجهها الشعب بـ "القبضة الحسينية".
ـ 23/2/1985، قوات الاحتلال ترتكب مجزرة بشعة تسفر عن سقوط 8 شهداء في بلدة صير الغربية في منطقة النبطية، وشهيد تاسع في بلدة طورا بمنطقة صور، وتواصل حملتها الانتقامية ضد 17 قرية في اقضية: صور، النبطية، مرجعيون، بنت جبيل، والبقاع الغربي فتعتقل 241 مواطنا وتنسف 15 منزلا وتصيب 14 بجروح.
ـ 2/3/1985: اقتحام بلدة معركة بـ 110 آليات مدرعة و4 طائرات هليكوبتر و800 جندي، وقتل مواطن وجرح 3 آخرين بعد صدامات استمرت 11 ساعة.
ـ 4/3/1985: قوات الاحتلال تفجر حسينية معركة بـ 100 كلغ من المتفجرات، مما ادى الى سقوط 15 شهيدا بينهم مسؤولان في المقاومة هما محمد سعد، وخليل جرادي، اضافة الى اصابة اكثر من 45 مواطنا بجراح.
11/3/1985: الجيش الاسرائيلي يقتحم بلدة الزرارية قضاء الزهراني بالاف الجنود، يعززهم لواء مدرع ومروحيات عسكرية ويلتحم مع الاهالي وجنود الجيش اللبناني ورجال المقاومة الوطنية، في معارك ضارية استمرت 17 ساعة، سقط بنتيجتها 63 شهيدا عثر على 23 منهم في البراري وبين الانقاض و12 جثة رماها الاسرائيليون عند وادي نهر الليطاني بعد ان اسروا اصحابها وقتلوهم باطلاق القذائف الصاروخية عليهم بعد ان عصبوا عيونهم وقيدوا ايديهم. واسفر اجتياح البلدة كذلك عن جرح 37 شخصا واعتقال 200 آخرين وتدمير 20 منزلا فوق رؤوس اصحابها.
15/3/1985: ارتكاب جريمتين في كوثرية السياد وعلى طريق بلدة طورا يذهب ضحيتها 8 شهداء بينهم جنديان لبنانيان.
17/3/1985: اطلاق قذيفة صاروخية على سيارة مدنية من مكمن اسرائيلي على طريق البابلية، اوقع قتيلين و4 جرحى من المدنيين.
21/3/1985: قوات الاحتلال ترتكب مجزرة جديدة ذهب ضحيتها 22 شهيدا والعديد من الجرحى، في عملية اجتياح استهدفت قضاءي النبطية والزهراني.
كما اسفر اجتياح بلدة حومين التحتا الى استشهاد 20 مواطنا قضى معظمهم تحت ركام مبنى المدرسة.
31/3/1985: قوات الاحتلال تغتال 4 مواطنين في انصار.
4/4/1985: قتل 4 مواطنين وتدمير 6 منازل واعتقال 5 اشخاص في كوثرية السياد.
10/7/1985: الطائرات الحربية الاسرائيلية تقصف مخيمي البداوي ونهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، وتتسبب بسقوط 11 شهيدا و25 جريحا.
هذه مجرد نماذج قليلة، تكذب كل الادعاءات الاسرائيلية التي تتحدث عن ان الغاية من اجتياحها كانت "المخربين" من الفلسطينيين، وابعادهم عن المستوطنات الشمالية، ان سردنا بعض العينات تكشف بوضوح ان عدد المدنيين الابرياء الذين سقطوا من وراء هذا الاجتياح فاق الوصف، كما تكشف ان آلة الحرب الصهيونية لم تميز بين طفل وامرأة وشيخ، فكانت تقصف طلاب المدارس والملاجئ والابنية السكنية، وكذلك كانت تحرق المحاصيل الزراعية وتقطع الاشجار المثمرة، وتحاصر البلدات والقرى من اجل تجويعها وتعطيشها، في محاولة لتركيعها واجبارها على الاستسلام والتعامل مع قوات الاحتلال.
ان الممارسات الصهيونية اثناء اجتياح 1982، تفضحها مذكرات الجنرالات المتقاعدين الذين شاركوا وشاهدوا بام العين، المجازر الصهيونية الوحشية، وعمليات القتل والاعتقال، اذ اكدوا جميعهم بعد ذلك انهم مصابون "بعقدة ضمير"، وباحباطات نفسية كبيرة، لان الدماء البريئة التي سالت على ارض الجنوب والبقاع وبيروت وغيرها من المناطق اللبنانية، لم تكن مبررة على الاطلاق، وكانت "خطأ يمكن تفاديه"، وتذكر احصاءات الدفاع المدني والصليب الاحمر اللبناني، ان مجازر صبرا وشاتيلا حصدت الالاف القتلى ومئات المفقودين، وكذلك سقط للجيش السوري، وحسب الاحصاءات الرسمية في دمشق، 201 جندي و315 جريحا.