جريدة الأخبار - 30/1/2008
يبلغ التوتر في الكيان الصهيوني ذروته اليوم مع حلول موعد نشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد عند الساعة السادسة مساءً، بعدما بدا المشهد السياسي االصهيوني، أمس، كالمصاب بالدوار، في ظل تكهنات سياسية تتقاذف مستقبل الحكومة وتخوفات لدى المؤسسة العسكرية من تعرضها لاهتزاز جديد لدى الجمهورعشية صدور تقرير فينوغراد، تصاعدت أمس حدة التجاذب داخل كل من حزبَي «كديما» و«العمل»، وبين رئيسيهما، إيهود أولمرت وإيهود باراك، على خلفية الموقف المطلوب اتخاذه في ضوء النتائج التي سيخلص إليها التقرير؛ ففي رد على أنباء تسربت تفيد بتوجه باراك نحو تقديم موعد الانتخابات العامة إلى مطلع العام المقبل، شدّد رئيس الوزراء الصهيوني في رسالة حازمة، نقلها عنه مقرّبون منه، على أنه لن يدخل في أي مفاوضات بشأن تقديم موعد الانتخابات، «ولن يبحث في الموضوع على الإطلاق».
وقال مصدر رفيع المستوى في حزب «كديما»، لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أمس، «لن نستسلم لتهديدات أو إملاءات إيهود باراك. إذا كان يرغب فليبقَ في الحكومة، وإلا فلينسحب. وبالنسبة إلينا، موعد الانتخابات الذي نعرفه هو تشرين الثاني 2010».
وتساءل المسؤول في حزب «كديما»: «إذا كان التقرير قاسياً، وأولمرت غير جدير بالبقاء في منصبه، فلماذا نعطيه سنة أخرى في هذا المنصب؟»، مضيفاً: «هذا يرمي فقط إلى تعزيز مكانة باراك في وزارة الدفاع».
ونحا وزير المال، روني بار أون، منحى لا يخلو من التهديد قائلاً إن «الانتخابات ليست خطة وفق ما تشتهي. إذا قرر باراك وحزب العمل أخذ مصيرهما السياسي بأيديهما، فلن يكون في وسعهما أن يكونا اللاعبين الوحيدين في الملعب. وليعلم إيهود باراك أنه ليس هو الذي يقرر موعد الانتخابات بتاريخ مريح له». وأضاف: «من يظن أن في وسعه أن يهزّ قارب الائتلاف ويبقى جافاً يعش في الأوهام».
ويمنح القانون الصهيوني رئيس الحكومة حق حلّ الائتلاف، ما يقود إلى إجراء انتخابات عامة خلال ثلاثة أشهر. وهذا هو السلاح الذي يلوّح به أولمرت إزاء سيناريوات يمكن أن يلجأ إليها باراك تحت الضغوط الشعبية والسياسية.
وبحسب تسريبات صحافية، تراوح هذه السيناريوات بين خيارات ثلاثة: إما الإبقاء على الائتلاف وإبدال رئيس الحكومة بقيادي آخر من حزب «كديما»، وإما العمل على تأليف حكومة طوارئ وطنية يشارك فيها حزب «الليكود»، وإما تحديد موعد مبكر للانتخابات يكون بعيداً بالقدر الذي يتيح له تحسين موقعه الانتخابي في ظل استطلاعات الرأي التي ترجح فوز اليمين، بزعامة حزب الليكود، بغالبية برلمانية، في المدى القريب.
وفي حين يسخر مسؤولون في حزب «العمل» من «التهديدات الفارغة» لمقرّبي أولمرت، معوّلين في ذلك على عدم رغبة أعضاء حزب «كديما» في التوجه نحو انتخابات مبكرة، واعتبار هذا السلاح سيفاً ذا حدّين يُضر بـ«كديما» بقدر قد يفوق ضرره بحزب «العمل»، الذي يشهد انقساماً بين معسكرين، يصر الأول على الانسحاب من الحكومة فيما يدعو الثاني إلى البقاء فيها بذريعة ضمان مستقبل العملية السياسية مع الفلسطينيين، والخشية من صعود اليمين إلى الحكم.
في هذا الوقت، تستعد المؤسسة العسكرية الصهيونية لـ«حرب توضيحات» تهدف إلى لجم تداعيات النتائج التي سيخلص إليها تقرير فينوغراد بحق الجيش وأدائه خلال عدوان تموز. وتُجمع التقارير الإعلامية في الكيان الصهيوني على توقع أن يكون نصيب الجيش من النقد والتقريع في التقرير هو الأكبر.
وأفادت تسريبات نُسبت إلى أعضاء لجنة «فينوغراد» بأن الانتقادات التي سيوجهها إلى الجيش ستقدمه في صورة بائسة. وهذا ما دفع قيادته إلى التخوف من أن تُلحق هذه الصورة أضراراً بمكانته لدى الجمهور الصهيوني، الأمر الذي قد ينعكس في نسبة الإقبال على التطوع فيه أو الالتحاق بخدمة الاحتياط.
وبحسب صحيفة «هآرتس»الصهيونية، ستنسحب انتقادات تقرير فينوغراد بحق الجيش على عدد من مجالات عمله، وستكون بمفعول رجعي يبدأ من عام 2000، تاريخ انسحابه من جنوب لبنان. ومن بين العناوين التي سيطال النقد فيها الجيش، تقصيره في تأمين الرد على صواريخ الكاتيوشا التي بقي مجاهدو المقاومة الإسلامية يُطلقونها طيلة أيام الحرب، والمعالجة الفاشلة للجبهة الداخلية، وإهمال التدريبات وجهاز الاحتياط في الأعوام التي سبقت الحرب، والتردد الذي أبداه القادة في تنفيد المهمات الموكلة إليهم خلال الحرب، وعلاقة هيئة الأركان بقيادة المنطقة الشمالية، والأداء الهجومي للفرق الأربع التي شنت العملية البرية الواسعة في الأيام الأخيرة من الحرب.
وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية، فإن الجيش سيعمد، ضمن الحملة الإعلامية التي سيشنها، إلى إصدار بيان خاص يشرح فيه عملية «استخلاصه العبَر» التي أنتجتها الحرب. وأشارت إلى أن البيان سيصوغه المتحدث باسم الجيش، العميد آفي بنياهو، وسيكون الهدف منه تأكيد التغيير الجذري الذي حصل داخل الجيش لجهة إجراء الإصلاحات اللازمة على جميع المستويات.
لكن يبدو أن التوتّر داخل الجيش لا يقتصر على الضرر الذي سيلحق بصورته أمام الجمهور، بل يتعلق أيضاً بالاهتزاز الذي يُحتمل أن يُحدثه التقرير داخل هيئة الأركان العامة. ورغم أن التقرير لن يتضمّن اتهامات شخصية بحق أي من المسؤولين، إلا أن أوساط الجيش تقدّر أنه لن يكون بالإمكان تجاهل نقد قاسٍ قد يوجهه إلى كبار الضباط خلال الحرب، وخصوصاً من بقي منهم في الخدمة، وهما قائد شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس يادلين، وقائد المنطقة الشمالية الحالي، غادي آيزنكوت، الذي كان قائداً لشعبة العمليات إبان الحرب.
إلى ذلك، من المتوقع أن تُسلّم لجنة فينوغراد التقرير في الساعة الخامسة من مساء اليوم إلى رئيس الحكومة الصهيونية، على أن تعقد اللجنة مؤتمراً صحافياً عند السادسة تدلي فيه بأبرز ما توصلت إليه. ويتوقع أن يتألف التقرير من مجلّدين يضمان أكثر من 500 صفحة.
وكان أعضاء اللجنة قد توجهوا إلى القدس المحتلة الاثنين الماضي خشية أن تؤدي موجة الثلوج المتوقع أن تحل بالمدينة إلى إغلاق الطرقات، وتالياً عدم التمكن من الوصول إليها. وتعهدت ما تُسمى ببلدية القدس بالاهتمام بفتح الطريق أمام أعضاء اللجنة، وتوفير مركبات خاصة مع سلاسل حديدية على إطاراتها، لنقل أعضاء اللجنة إلى مكتب رئيس الحكومة الصهيونية، وبعد ذلك إلى ما أسمته ب«مباني الأمة» حيث سيُعقد مؤتمر صحافي.