ابراهيم الأمين (جريدة الأخبار اللبنانية)
جوزف سماحة خلال جولة في أحد مواقع المقاومة في الجنوب (صورة خاصة بالإعلام الحربي ــ المقاومة)
في زمن الثورات العربية التي تعصف بالمنطقة، والتي كان واحد مثل
جوزيف سماحة في قلبها، اليوم تمر الذكرى الخامسة للعدوان الإسرائيلي على
لبنان في تموز عام 2006 والصمود الأسطوري للمقاومة في وجهه. وهو الوقت الذي
كان فيه جوزيف يعدّ لإصدار «الأخبار» مواكبة لهذه المرحلة. في المناسبة،
استعادة لجانب خفيّ من شخصية جوزيف القريب من عقل المقاومة، من خلال سرد
لوقائع جولة ميدانية قام بها برفقة الشهيد عماد مغنية، القائد العسكري في
المقاومة في حينه، استغلها جوزيف للتعرف أكثر إلى العقل الميداني والعسكري
والأمني لهؤلاء الشباب الذين أذهلوا العالم ولا يزالون. كذلك هم لا يزالون
محل مطاردة من الخصم العالمي نفسه، الذي قال جوزيف في افتتاحيّة العدد
الأول إنه خصم «الأخبار»
حزيران 2006. الثامنة إلا بضع دقائق صباحاً. توقفت سيارة مرسيدس فاخرة أمام
الرجل الخمسيني. فتح الباب وألقى بنفسه في مقعدها الأمامي. وقبل أن تنطلق
كان قد وضع حزام الأمان في عادة لم يتخلّ عنها يوماً. دقائق خمس وتوقفت
السيارة لتقلّ شاباً عشرينياً يحمل حقيبة سوداء كبيرة. انطلقت السيارة
مسرعة، واتجهت جنوباً. ساعة من الزمن مرت على مسير السيارة بركابها
الثلاثة، قبل أن تدلف الى الباحة الخلفية لإحدى البنايات وتتوقف هناك.
اقتربت سيارة دفع رباعي، من طراز أميركي، وطلب من فيها من ركاب المرسيدس
الانتقال اليها.
حشر الثلاثة أنفسهم في المقعد الخلفي، فيما تُرك المقعد الامامي شاغراً وفق
التعليمات. انطلق سائق الجيب على الطريق نحو الناقورة. بعد أقل من عشر
دقائق، ركن السائق السيارة أمام عربة لبيع الخضر، حيث كان رجل، في نهاية
الاربعينيات من العمر، يعتمر طاقية رمادية، وينتقي بعض أنواع الفاكهة. نقد
الرجل الأربعيني بائع الخضر ثمن ما اشتراه، ثم اتجه الى حيث كانت سيارة
الجيب. فتح الباب وركب في المقعد الامامي لتنطلق السيارة. ران الصمت بين
الخمسة، لفترة، قبل أن يكسره الراكب الجديد ملتفتاً الى الخلف، وملقياً
بالتحية: صباح الخير أستاذ جوزف!
كان السائق يزيد من سرعته. فيما «رجل الفاكهة» يلاحق جوزف سماحة بأسئلة حول
الاستعدادات القائمة لإصدار «الأخبار». صار الحديث أكثر تفصيلاً عن كيفية
التعامل مع المادة الاسرائيلية. اقتربت السيارة من مدخل احد البساتين.
هناك، تحت أشجار كثيفة، نزل الجميع من سيارة الجيب التي كانت تقلّهم،
وتوزعوا على سيارتي جيب، كان واضحاً، من آثار الوحل العالق بهما، أنهما
خاضتا في مسالك ترابية وعرة. انطلقت السيارتان باتجاه احد الممرات داخل
بستان كبير. خلال ربع ساعة، كان الجميع داخل منطقة مغلقة. بدا بوضوح أنها
منطقة عسكرية. بعد تجاوز نقطة للحراسة، هي الثالثة، نزل الجميع وساروا في
اتجاه حقل قريب. الاشجار الكثيفة تظلل بناءً صغيراً، يشبه بيوت المزارعين
الصغيرة التي تنتشر في بساتين الجنوب. فجأة، صار المشهد مختلفاً.
الموجودون، جميعاً، يرتدون ثياباً عسكرية. حتى «رجل الفاكهة» الذي دخل احدى
الغرف، خرج بعد دقائق مرتدياً بزته العسكرية، وقد بدّل طاقيته الرمادية
بأخرى من لون الشجر، ثم رتب سلاحه الفردي على كتفه. عندها، أدرك جوزف ان
هذا الرجل هو قائد كل من كان في تلك الغرفة، قبل أن يهمس احدهم في أذنه:
«انه الحاج رضوان».
بين الحاضرين، وقف شاب طويل، يرتدي ثياباً مدنية، ويدخّن بشراهة، فيما لا
تفارق البسمة وجهه طوال الوقت. في جعبته الكثير من النكات، ولهجته
البقاعية، تضفي مرحاً إضافياً على حديثه. بدا أنه، هو الآخر، أحد البارزين
بين الموجودين. أومأ الحاج رضوان لأحد الرجال برأسه، فأعلن الأخير انطلاق
المسيرة. أخرج الشاب العشريني من الحقيبة السوداء كاميرا تصوير فيديو،
وأخرى للصور الفوتوغرافية. دخل شاب الى الغرفة حاملاً ثياباً عسكرية، اختار
جوزف من بينها ما يناسب مقاسه. لبسها، ثم انطلق الجميع في مسير تحت الشجر،
وضمن ممرات ضيقة بعض الشيء، لا تلبث أن تأخذ منحىً تصاعدياً نحو مطلّ
بارز. في منتصف الطريق، يعطي الحاج الاشارة، فتُرفع اغصان من الشجر عن
صخرة، تخفي مدخلاً لنفق. المفاجأة التي علت وجه جوزف لم تمنعه من التقدم
مباشرة، والانحناء الصعب للدخول في قلب ممر ضيّق، يوصل، بعد امتار قليلة،
الى غرفة كبيرة. يستعيد جوزف وقفته وقامته. يتلفت من حوله، ليجد نفسه داخل
غرفة من الباطون. في لحظات، تخيل فيلماً من الرسوم المتحركة. كيف «أدخل»
أحدهم غرفة داخل جبل؟ التفت من حوله يتفقد المكان: أسرّة ومطبخ صغير،
وزاوية تحوي ذخائر غير معلومة لناحية وجهة الاستخدام. ثم غرفة ثانية أصغر
من الأولى، يليها ممر ضيّق. يصعد درجات قليلة. الانحناء واجب، مرة أخرى،
للخروج من باب آخر يقود الى غابة صغيرة. يشار له أن يلتفت يساراً: مجموعة
من الصخور التي ما إن يتجاوزها، متسلقاً، حتى تعود الدهشة الى وجهه من
جديد. سقف غير مكتمل من الباطون المسلّح، تغطّيه أشجار قائمة، لا أغصان
للتمويه، ومن فتحته تخرج فوهة لمدفع كبير. يسأل جوزف عنه. تأتيه الإجابة
على شكل ابتسامة من المقاتل الذي يقف الى جانبه، يحرسه ويداعبه ويحضنه مثل
حبيب. يتدخل الحاج شارحاً: انه سلاح خاص يقصف مواقع متقدمة للعدو داخل
فلسطين. ويشير الى مجموعة من القذائف الموجودة قرب المدفع. يفهم جوزف أن
هذا هو القدر المتاح من الشرح.
عشر دقائق إضافية، يقترب الجميع من طريق ترابية تتسع لسيارات صغيرة تفصل
بين حقلين كبيرين. يتوقف الجميع بإشارة من مقاتل أطلّ من خلف شجرة مشرفة.
يخيّم الصمت. لا يفهم جوزف ما الذي يجري. الهمس حل مكان الكلام. أحدهم يشير
بإصبعه الى السماء، يتناهى الى المسامع صوت خافت يعرفه الموجودون جيداً:
طائرة استطلاع في المكان. استمر المشهد لأكثر من خمس دقائق. تولّى مقاتل
ايصال جوزف الى حجرة «مدفونة» بين أشجار على كتف واد، فيما بدا أن الآخرين
انشغلوا في محاولة ابعاد الحاج الذي لم تبدر منه حركة خاصة. وسرعان ما سُمع
رنين أجهزة صغيرة يحملها المقاتلون. يقرأ الجميع الرسالة المشفرة، ثم تصدر
الإشارة: الطائرة ابتعدت، يمكننا متابعة المسير.
وبعد جولة استمرت نحو ساعتين، انتصف النهار. الشمس قاسية وتبدو قريبة.
تعرّف جوزف، في الساعتين المنصرمتين، الى انواع عدة من الكمائن ومن الاسلحة
الخاصة. استمع الى شرح من احد المقاتلين عن بطارية صواريخ: جاهزة، ملقّمة،
وموجهة الى هدف ما. يضيف المقاتل الذي يتجاوز عمره العشرين بقليل: «نحن
بانتظار الإذن، وعندها نشغّل البطارية، وتنطلق الصواريخ الى هدفها».
بدأ جوزف بجمع الاسئلة في رأسه، لم يكن يحمل دفتره الصغير لكتابة
الملاحظات. الطريق الباقية قادته الى غرفة بستان آخر. إلى جانبها، كانت
هناك عريشة عسكرية وبعض المقاعد، وطاولة كبيرة، حيث كان مقاتلون يعدّون
الطعام. القائد الطويل، ذو اللهجة البقاعية والثياب المدنية، كان يتولى
الشواء، بينما دخل جوزف في حوار مع الحاج حول استراتيجية المقاومة، وبدا
أنه أخرج بعض الاسئلة:
ـــــــ كيف تتواصلون مع هذه الوحدات خلال الحرب؟
ابتسم الحاج، ومدّ يده الى جانبه. كانت هناك آلة هاتف عادي، موصول بسلك
يختفي لاحقاً. وقال: الآن يمكننا التحدث مع من تشاء في بيروت من هنا. لدينا
شبكة اتصالات تتيح لنا التحادث في ما بيننا، وإيصال التعليمات دون مشكلة،
ولدينا فريق يتولّى هذا العمل وصيانته وتطويره.
ـــــــ ماذا عن الأهداف؟
يجيب الحاج: إنها علبة مقفلة. ليست هناك حاجة ليعرف الجميع ماهيتها، لكن،
ثمة شيفرة خاصة تتيح للمسؤول عن عملية القصف الحصول على الاحداثيات التي
يمكنه أن يضعها ويطلق النار عندما يصل الإذن بذلك.
ـــــــ وكيف يعاود العمل وبإمكان الطائرات الوصول بسرعة وتحديد مصدر اطلاق الصواريخ وتدمير المنصة وربما قتل المقاتلين؟
رد الحاج بسرعة: الأمر لن يحصل على هذا النحو، لدينا خطط لا تمنع العدو من
تحديد مصدر اطلاق الصواريخ، إنما تمنعه من إصابة المقاتلين. أما في شأن
المنصة فهي حكاية سنحكيها في وقت آخر. وللمقاتلين إجراءات خاصة وأمكنة
يختفون فيها، ومن الصعب اصابتهم، لا بصواريخ الطائرات ولا بقصف مدفعي..
قبل أن يتابع جوزف سيل الأسئلة، كان الحاج يشرح له بأن ما شاهده في ساعات
ما قبل الظهر، إنما هو عينة عن نماذج تنتشر على طول الجبهة. وأضاف: «توجد
اشياء أخرى لا يمكن الحديث عنها لمواجهة احتمالات عدة إذا قرر العدو الدخول
مجدداً الى لبنان».
بعد الغداء، وتناول فاكهة حزيران، تقرر الانطلاق صوب وجهة جديدة، مسير غير
طويل قبل أن يجد جوزف نفسه داخل سيارة رباعية الدفع، جلس الحاج في المقعد
الامامي، والى جانبه السائق، ليتبين أنه ضابط ميدان رفيع المستوى. وخلال
رحلة استغرقت نحو نصف ساعة، تعرّف جوزف إلى المناطق، وإلى مواقع سابقة
للاحتلال، وإلى مسالك خاصة بالمقاومين. فجأة، وكان لا يزال في السيارة، وجد
نفسه داخل جسم كبير مغطى بشادر عسكري أشبه ما يكون بالنفق. نزل من
السيارة، وكان الحاج يسير أمامه، انهمك مقاتلون في إزالة الشادر عن الجسم
الكبير. استغرقت العملية بعض الوقت، قبل ان تظهر «محمولة» عسكرية من الحجم
الكبير. لم يسبق أن شاهدها جوزف، حتى على التلفزيون. لكن الصدمة كانت عندما
سمع من الحاج أنها «شاحنة عدّلناها حتى صارت بهذا الحجم، وصارت قادرة على
حمل هذا الشيء الذي تراه فوقها».
لم يضف الحاج شيئاً. شعر جوزف بأن لا مجال لشروحات اضافية. ابتسم كأنه حصل
على جواب. ثم صار يتفقد الشاحنة نفسها، ويستمع الى شرح حول كيفية تطويرها.
بعد ذلك، عاد الجميع الى السيارة، وانطلقت من جديد، لتدخل في بساتين ومناطق
حرجية قبل ان تصل الى بيت صغير، داخله، وفي غرفة عادية، وقف الشاب الطويل،
صاحب الثياب المدنية، وأخرج من جيبه جهازاً فيه ضوء قوي. جلس جوزف الى
جانب الحاج قبالة جدار رفعت عليه خريطة لفلسطين المحتلة لناحية الحدود مع
لبنان. ثم بدأ الشرح: طول الحدود، المواقع، اختصاصاتها، نوع الفرق والألوية
الاسرائيلية الموجودة هناك، نوع العتاد والاسلحة، ثم عرض للمستوطنات
وخصائص كل منها، ثم الى العمق، حيث مطارات ومراكز قيادة عسكرية ومراكز
استخبارات العدو.
بعد ذلك الشرح، قرر جوزف أن يلعب دور من يختبر جهوزية فرقة عسكرية. صاغ،
بسرعة هائلة، مجموعة اسئلة تخصصية وطرح احتمالات لأنواع مختلفة من المواجهة
في حال اندلاع الحرب. كان الحاج يتولى الإجابة، وفي بعض الحالات كان الصمت
يسود، والابتسامات تحتل الوجوه، فيدرك جوزف ان الاجوبة عن بعض الاسئلة
موجود، لكنه ليس للإعلان، وممنوع البوح به.
بعد استراحة استمرت لأكثر من نصف ساعة، تقدم شاب من الحاج وهمس في أذنه
بصوت مسموع: الشباب جاهزون. وقف الحاج ووقف الجميع. وخلال دقائق عاد الجميع
الى ثلاث سيارات، إحداها كانت بزجاج قاتم. ركب فيها جوزف وانطلقت لنحو
ساعة تقريباً قبل أن تتوقف فجأة داخل مبنى. نزل الجميع، ليختار الحاج سيارة
عادية. شغّل احد الشباب المحرك، وركب جوزف في المقعد الخلفي، بينما كان
الحاج يبدل ثيابه العسكرية ويعود الى هيئته المدنية، ثم يركب الى جانب
السائق. بلمح البصر اختفى الجميع، ولم يبق أثر لأحد. انطلقت السيارة بسرعة
عادية تعبر قرى حدودية عدة، قبل ان تصل بعد وقت الى قرية متاخمة للحدود.
تدخل في زواريبها لتنتهي الى بناء ليس غير معزول. تتوقف السيارة بطريقة
عادية، ويخرج الجميع، ويصعدون طبقة الى الاعلى قبل أن يتقدم السائق ويفتح
باب شقة عادية، داخلها صالون صغير بمقاعد بسيطة. بعد دقيقتين، يُدعى الشباب
الى غرفة تبدو اقرب الى استديو منها الى غرفة. 4 أو 5 شباب في مقتبل
العمر، يجلسون قبالة أجهزة على شكل راديو كبير، يضعون السماعات في الاذنين،
وتخرج من اجهزة اخرى اصوات عبرية. لم يكن احد يحتاج الى شرح. انها غرفة
تنصت خاصة بالمقاومة. على الارض سجادة متوسطة الحجم. جلس الحاج على الارض،
ثم تولى الشاب الشرح، بينما خرج احد الحاضرين ليعود بعد دقائق ومعه اكواب
الشاي والقهوة. يطلب من الحاج أن يفسح له الطريق بأسلوب لطيف، لكنه يشير
بالتأكيد الى انه لا يعرف هوية الرجل. استجاب الحاج بهدوء، بينما كان جوزف
يستمع بدهشة الى الشرح: ما تسمعه الآن هو صوت البرقيات الصادرة من سلاح
الاشارة في جيش العدو. انها الفرقة الرقم كذا، واللواء الموجود هنا قبالتنا
رقمه كذا، وهذه تعليمات قائد الكتيبة، وتلك تبليغات من نقاط المراقبة
الخاصة بالعدو والمنتشرة على الحدود، تقدم تقارير كل دقائق عما يجري حولها.
مرت جملة من جهاز بالعبرية، فالتفت الجميع بمن فيهم الحاج. توقف الكلام.
صار هناك تدقيق في ما يقال. ثم فجأة، غمز الحاج الشاب، فوقف وخرج من الغرفة
ليعود فيطلب الحاج من جوزف مرافقته الى غرفة اخرى، لها نافذة مطلّة على
الحدود مع فلسطين. الغرفة خالية الا من كرسي، وطاولة صغيرة، ودفتر ملاحظات.
وعلى مقربة من الشبّاك المغطى بسواتر معدنية عادية، مع شقوق خفيفة، كانت
قد نُصبت 3 كاميرات من الحجم الكبير، والى الخلف شاشة تلفزيون تصل اليها
الصور. إنها كاميرات مراقبة ذات عدسات قادرة على التقاط الصور من مسافات
بعيدة. قدمت شروحات على عجل، ليدرك جوزف ان ما يعتقد الاسرائيليون انها
كاميرات مراقبة منتشرة على اعمدة او نقاط مرئية على الحدود، لا يعدو كونه
مزحة، وأن ما يحاول العدو تجنبه في حركته يجري رصده صوتاً وصورة من مكان
آخر.
كان على اسرائيل ان تعلن في وثائق ما بعد حرب تموز، انها عثرت على غرف تنصت
متطورة للمقاومة، وأنها وجدت فيها داتا معلومات مخيفة عن كل حركة تصدر عن
جنود او آليات او عن أحاديث عسكرية او غير عسكرية. كان هذا الكشف كافياً
ليعرف جوزف اين كان وماذا كان يعاين.
«الرحلة انتهت. هذا ما نقدر على عرضه. ويمكنك ان تتخيل أنه نموذج من عمل
اكثر توسعاً وأكثر تفصيلاً وأكثر شمولاً». قال الحاج هذه العبارات وهو يركب
السيارة التي انطلقت بعد اتصال من هاتف ثابت، لتمر دقائق ثمّ التوقف خلف
اشجار. تتقدم السيارة نفسها التي حملت جوزف من بيروت. وداع سريع على امل
لقاء قريب. يختفي الحاج في سيارة ثالثة، بينما يبدأ جوزف رحلة العودة الى
بيروت. طوال الطريق كان يعيد ترتيب الأفكار في رأسه، وأكثر ما كان يؤرقه،
ليس عدم القدرة على الكتابة عن هذه الرحلة او الحديث عنها، بل أنه تعرّف
مباشرة، على جيل من الشباب اللبناني الذي لم يكن جوزف يتصور أن بلداً فيه
هذا القدر من الخراب والتدمير للإنسان كما للأشياء، يمكن أن يولد فيه رجال
من هذا الصنف.