محاولات اجهاض نصر الحرب السادسة تكريس للهزيمة
الدكتور: عناد السرخي
موقع دنيا الوطن
احدث انتصار حزب الله في حرب تموز انفجارا دوى في اركان الامة كلها، فقد هوى بزعمائها الى اقصى درجات الصدمة، حتى خرجت النتائج على اللامعقول واللامتوقع، فبين امنية بهزيمة حزب الله وشطبه مع شاكلته من حركات المقاومة وبين النصر والنشوة الجماهيرية وتقمص اسلوب الحزب ونهجه بما احدثه من مد لهذا النوع من قوى المقاومة الشعبية .لكن سرعة اجتثاث حالة النشوة تلك ،كانت اقوى من حجم الانتصار وتفاعلاته ،على خلفية تسارع الاحداث المؤسفة على الساحة اللبنانية بما يخدم تيار 14 اذار باتجاهه المعروف ،الذي يسعى فيه الى تحييد دور حزب الله كحركة مقاومة، وانهاء جذوره ومده السياسي في المنطقة بدعوى خدمته لأجندة ايرانية وسورية وكوكيل اعمال تدبير وفتنة لهما.لقد ارادوا اجتثاث حلاوة النصر ،نجحوا الى حد نسبي لكن حزب الله وبقدرته على ادارة المعركة السياسية والاعلامية في الاوساط اللبنانية تعملق في صموده وثباته، وتمكن بكفاءة من درء الساحة اللبنانية عن مستنقع الحرب الاهلية.
لبنان هذه الجوهرة الثمينة، التي لا ينبغي المس بجذورها شكلا ومضمونا.لبنان بشعبه ونظام الحكم فيه ليس كأي شعب او نظام حكم آخر،فهو البلد الذي تأسس على الديموقراطية ،والذي رفد الثقافة العربية بأهم منجزاتها، ولا ينبغي الا رد الاعتبار لهذا البلد وتمكينه من ممارسة دوره الثقافي والحضاري المميز، كونه كان مرآة للمستقبل السياسي العربي، الذي تأسس على احترام حقوق الافراد وعزز دور واهمية مؤسسات المجتمع المدني فيه .انه ببساطة نموذج لحكم عصري رشيد بما فيه من توازن ووضوح.
لكن هذا البلد الرائع وقع ضحية الصراع في المنطقة وتجرع الكثير من المواقف،التي عصفت بكيانه بحدة وقسوة لم يشهدها بلد اخر في وطننا العربي،ومع كل ذلك نهض الشعب اللبناني مرة تلو الاخرى متعملقا على جراحه وكوارثه وانطلق من جديد بعد كل عصف وتدمير،وليس لنا الا ان نبدي مشاعر حزننا العميق على حال الناس فيه ولا نملك اكثر من التمني والرجاء على ان يهب الله لبنان السلام والسكينة.لكن لبنان الصغير المنتصر دائما يجب ان يحفظ للعرب تطلعاتهم وامانيهم بعودة حالته الى ما كانت عليه في صورة احلامنا الجميلة.
انتصار حزب الله كان نصرا استثنائيا بكل المقاييس، هذه الحقيقة التي هزت كيان اسرائيل وحليفها الاستراتيجي في المنطقة الذي سعى الى هذه الحرب، وامدها بعمر اطول من المتوقع املا بانجاز انتصار صعب كانت خواتمه هزيمة مهينة ما ولاتزال تلقي بظلالها على نظام الحكم الاسرائيلي ومكانة الجيش في الوجدان اليهودي ،التي اهتزت بصورة لم يسبق لها مثيل.لكن هذه الحقيقة الذي تجرعها الجيش ورجال السياسة الاسرائيليين لا تصب في محور النتائج التي نتوقعها على نحو ما نفكر فيه كعادتنا ،فالمسألة لدى الاسرائيليين مختلفة ،لقد بدأت مرحلة تقوية الجيش وادواته ،ولن تمضي بضع شهور حتى تستلهم التجربة وتدرس النتائج وتسوى معادلات الضعف والقصور باسلوب تجريبي وتكنولوجيا متطورة ،نسأل الله ان لا تجرب على لبنان او غيره.
انتصار حزب الله ليس حدثا استثنائيا نرى تجاوزه بمنطق خرافي كما لو كان ظاهرة عابرة او انجازاً عرضياً يجري بحث تفاعلاته في معادلة واحدة، وبمستوى حصر النتيجة في هزيمة الجيش الاسرائيلي فحسب،بل في سر تكتيك واستراتيجية حزب الله ،التي جعلت منه في وضع اقوى اهله لحسم المعركة لصالحه ،ومع كل ما يمكن ان يضيفه ذوو الاختصاص عن هذه الامكانيات بمداها وبمقدارها كما وكيفا،الا ان العامل الذي تفرد في حسم معادلة الانتصار هذه ،كانت جملة من العقائد والمعارف ،التي عبرت عنها قوى الاشتباك البشري ممثلة برجال المقاومة والجيش الاسرائيلي ،فهؤلاء فقط هم المنتصرون او المهزومون.
اسس المواجهة ليست مجرد قوة يملكها الخصم،انما معركة وعقائد وفن ادارة المعركة اعلاميا وعسكريا وسياسيا،هذه الركائز التي ابدع حزب الله فيها وسخرها باتقان كأدوات في المعركة ليس هذا فحسب، وانما اضاف اليها اتجاها آخر لم تعهده الحروب يوما ،ممثلا بالمصداقية ،فقد صدق نصر الله بكل كلمة،كما صدق اعلامه ومقاتلوه وجماهيره ،الى درجة اذهلت الخصم بكل قطاعاته،هذه المصداقية التي تجاوزت اعلام الحرب المشرعنة مبادؤه على الكذب والاشاعة والتضليل.فقد خرج حسن نصر الله خلال الحرب بصفته كبير المنتصرين ،بصدقه وايمانه وعلمه وفي قدرته على استنهاض الجماهير، وكسب ثقتهم اثناء الحرب كما قبلها وبعدها،حتى اصبح النموذج الذي يتمنى المواطن العربي ،وبنموذجه هذا اصبح هدفا للمهتمين بشأنه جميعا،فاستغلوا كونه ينتمي للطائفة الشيعية، وبدأوا بشكل مباشر وغير مباشر باثارة ممارسات جيش المهدي وفرق الموت والدور الايراني ودور الحكم الصفوي في العراق ،باسلوب مقيت لا يهدف الا لتأجيج الفتنة الشيعية السنية، الذي خرج حسن نصر الله عليها ،بكل ما فيه من الم وايمان،الا ان كل ذلك لم ينفع، ولا بد لهذا الرجل الا التأكيد على عروبيته الاصيلة والتشديد باستمرار على نبذ الفتنة الطائفية والدعوة الى الوحدة والتلاحم.ومع كل ماسيفعله نصر الله بهذا الاتجاه ،الا ان ابواب هذه الكارثة ستظل مفتوحة،فبين علوي وشيعي ودور ايراني وسوري تكمن متاهتنا متعددة الاطراف ،ليس لأن ذلك واقع حالنا ،انما لكوننا مؤهلون ذهنيا للعب دور رخيص فيها،وليس علينا الا ان نقر بأسف عمق ومدى الكارثة التي تلحقها "القاعدة" وما تفرخ من تنظيمات بأسماء مختلفة على لعب دور الفتنة الخلاقة في المنطقة بين سني وشيعي ،وبين انظمة وقوى مقاومة.لقد ساعدت اطراف واتجاهات دولية كثيرة الى التقليل من نتائج هذه الحرب الى مستوى انكار الانتصار ،فما صدقوا حزب الله وقبلوا على مضض الاعتراف الاسرائيلي بالهزيمة.
ظن الغرب بأن انتصار حزب الله من شأنه ان يعزز خيار المقاومة في منطقتنا،هذا المنطق السليم الذي جعل من قوى المقاومة هدفا بحد ذاته انطلاقا من حقيقة امكانية احداثها لتطورات واتجاهات غالبا ما تقلب الامور رأسا على عقب ،اذ لا يمكن التحكم بجماهيرها او في مدها و تراجعها باعتبارها مسار خروج عن المألوف والعادي.
جماعات الضغط وقوى المصالح وحركات التحرر بالمفهوم الغربي كانت تنشأعادة لأسباب وغايات محددة، وتنتهي دائما بتحقيق غاياتها وانجاز اهدافها،الكثير منها اقتحم الواقع السياسي ومثل في الهيئات التشريعية ،وما ان زالت اسباب وجودها حتى غابت عن الساحة وتلاشى دورها السياسي كما انها لو لم تكن اصلا.الا ان قوانا بمختلف انواعها لم تجد نفس الارضية التي حظيت بها مثيلاتها في الواقع السياسي والاجتماعي الغربي ،بحيث اجبرت على خلق حالة من الصدام مع الانظمة القائمة بهدف الاعتراف بوجودها من باب الفرض القسري لمواقفها ،فما دامت لغة التصادم حوارا كان او عنفا هي واحدة بمنطق الهرتقة العربية ،فقد رأت تلك القوى سبيل النجاح من خلال ممارسة العنف والارهاب فضلا عن نهج اسلوب الحوار والديموقراطية غير المجدية ،فاما كتم انفاس المواطنين او اطلاق العنان لقوى الاصلاح والتغيير للتعبير عن مواقفها ،ذلك التعبير الذي لم يحدث تغييرا ولم يحرك شأنا حتى فقد الناس ثقتهم وافلسوا وتحولوا الى فعل العنف عندما عجزوا عن احداث رأي جماهيري عام من شأنه دفع عجلة التغيير ايجابيا.تيارات الانفلات وقوى الاستهداف بدأت تتسلل الى واقعنا بانسياب سلس ،بل ونسعى اليها عشقا ،نفتح لها اذرعنا وحياتنا بغرض التكسب، ونظن اننا بذلك قد حققنا المكاسب.
ان نجاح حزب الله كما هو حال الحركات الاسلامية باقتحام واقع الجماهير كان عملا استراتيجيا من الدرجة الاولى، مقابل غزو المؤسسات غير الحكومية لواقعنا في هجمة لم تشهد المنطقة لها مثيلا ،مما يعني ان اجندة هذه القوى ليست اجندة تحريك لواقع سياسي او اجتماعي بقدر ما هي انقلاب شامل على ذلك الواقع،وما دامت هذه القوى قد سلكت هذا النهج المكلف فلا بد بذلك ان تنطلق من مبدأ وجود حليف دائم مستعد لدفع هذه الفاتورة الباهظة والمرشحة للأرتفاع باستمرار،ولأن الامر كذلك فالموضوع يعني بضاعة وثمناً، هذه البدهية التي لا مجال لدحضها، وسيظل السؤال المهم الذي يفرض بالحاح في هذه المعادلة ذات الاطراف المتعددة، هو حقيقة الاجابة على سؤال بسيط ،ماذا تريدون منا ولماذا؟.اذا كان الهدف تحرير المرأة العربية وتعزيز حقوق المواطن على سبيل المثال لا الحصر،فعلينا ان نسأل من يعرض علينا المساعدة بهذا الخصوص ،ماذا تستفيدون،اذا حررنا نساءنا واصبحنا من اكثر المجتمعات ليبرالية؟، فهل ستدخلون معنا في عقد صفقات شراكة زوجية او لربما يريدون ان نصبح مهجنين على نمطهم. الا يفترض ان تسعى انظمتنا الا تحسين ظروف الناس ،ام يدفعوننا الى تلك الابواب التي من شأنها ان تلهي الجماهير عن ممارسة دورها الحقيقي.مقابل كل هذه الاسئلة التي لا تحمل سوى الاجابات المشبوهة وغير المقنعة تبرر الحوار بهذا الخصوص تبدو التنظيمات الاسلامية وعلاقتها بالجماهير الاكثر منطقية وقبولا كونها تنطلق من اسس ايدولوجية.لكن هذا النوع من القوى لا بد وان يتنزه بالمطلق عن ممارسة ادوار تتعلق بتنفيذ اجندة وسياسات الدول المانحة ،ولأن ذلك يبدو مستحيلا فهي اذا شأن سياسي واستراتيجي، كما هو حال مثيلاتها بشقيها وباصولها الداعمة.