لا تزال تدعيات زلزلال
"حرب تموز 2006" تلقي بظلالها على كيان العدو، سيما أن الهزيمة الواضحة
التي مني به جيش العدو انسحبت على مجمل قطاعاته، وهنا شهادة لواحداً ممن
خبروا تلك الحرب على أرض الميدان، تحول لاحقا الى باحث في أحد اهم مراكز
الدراست والتخطيط في كيان العدو والتي تصنع السياسيات المستقبلية للكيان
الغاصب.
ننشر الموضوع كاملاً من دون تدخل:
" في الأيام الأخيرة لحرب لبنان الثانية في العام 2006، أُرسل
جونثان سباير مع وحدته في سلاح المدرعات (احتياط) للسيطرة على شمالي بلدة
الخيام، قرية تبعد فقط بعض الكيلومترات عن الحدود. عندما كانوا في طريق
العودة ومع اقتراب الفجر، توقفت دبابة قائد سريته وأُلقيت مهمة سحبه إلى
إسرائيل على عاتق سباير وطاقمه في سباق مع الوقت لتفادي فرق حزب الله
المضادة للدروع التي ستأتي مع انبلاج الضوء لاصطياد فرائسها.
مجرد أن أشرقت الشمس أصبحوا هدفاً سهلاً. فأصاب صاروخ دبابة قائد السرية
وبعد ثوان انفجر آخر في دبابة سباير. قُتل فرد في الطاقم، واضطر سباير
وبقية الطاقم للانتظار ساعة كاملة مختبئين في خندق قبل أن يتم انقاذهم من
قبل قوات الجيش الإسرائيلي.
تركت الحادثة أثراً من الغضب في نفس سابير على نقص استعداد الجيش
الإسرائيلي للتعامل مع حزب الله وقد قال مرة " حصل الكثير من الأخطاء في
الحرب".
لكن بالنسبة لسباير، كباحث في مركز هرتسيليا للدراسات، كانت الحرب أكبر
بكثير من تجربته الشخصية. كانت الحدّ الفاصل في نمو النزاع الجديد، وقد
سمّاه "النزاع الإسرائيلي ـ الإسلامي".
في كتاب نُشر حديثاً، النيران التحويلية: نمو النزاع الإسرائيلي ـ
الإسلامي، يفحص فيه سباير، من خلال تجربته الخاصة وتحليله، نمو ذلك النزاع
وكيف أنّ، منذ انهيار عملية السلام في العام 2000، النزاع القديم مع
القومية العربية بشأن العاقارات والاعتراف فسح المجال باتجاه الصراع
الأصولي. فوجدت إسرائيل نفسها تواجه تحالفاً من البلدان والمنظمات، في
طليعته إيران، ملتزماً بهدف إستراتيجي هو إنهاء وجود إسرائيل كدولة يهودية.
يشرح سباير البريطاني المولد، والكاتب في "جيروزليم بوست"، أنه لم يكن
يحاول فقط تتبع أطر هذا النواع الجديد، بل أيضاً لقياس درجة الرد على هذا
التحدي الأخير.
فيقول: "إحساسي أنّ إسرائيل مجتمع بأيّ حال من الأحوال يمر بعمليات عميقة
من التغيير. والرد على هذا النزاع الجديد ينفذ من خلال هذه العمليات
للتغيير الاجتماعي. فإسرائيل تبتعد أكثر فأكثر عن أوروبا في وجهة النظر
وتصبح تقليدية ودينية أكثر. في الوقت نفسه، إسرائيل مجتمع مفعم بالحيوية
ومنفتح جداً. لذا إسرائيل جديدة تظهر، يتوجب عليها التعامل مع هذا النزاع
الجديد. وتردّ إسرائيل بالطريقة التي غالباً ما كنت ترد أي أنها لم تكن
بارعة في التخطيط الإستراتيجي ولم تكن جيدة في التفكير بعيد المدى.
والكتاب، بأسلوبي المتواضع، محاولة للاقتراح على الناس طريقةً للنظر بهذا
الأمر بإحساس أكبر. فنحن لسنا جيدين في هذا الأمر كمجتمع. والنتيجة هي أننا
عادةً نأخذ ببعض النتائج الجميلة السيئة عند بداية العملية".
فيما ينظر سباير إلى حرب لبنان الثانية على أنها الحد الفاصل لدخول إسرائيل
كلياً في مواجهة عدو جديد وشكل جديد من الحرب، يُعرف بسخرية نتيجة
إيجابية.
ويقول "إنّ الجانب الآخر من العملة أنّ إسرائيل، مجرد أن تلقت الصفعة
الأولى، توجهت للرد بشكل مبدع وبسرعة وبديناميكية على النيران الجديدة. بلك
الاعتبار، حدثت بعض الأمور الجيدة من ناحية تفكير النظام والرد. لكن لن
نعلم حقاً إذا كنا استطعنا الرد بشكل صحيح لغاية الاختبار الكبير الجديد
القادم. منذ العام 2006، بالطبع الجانب الآخر يستعد بشراسة للجولة القادمة.
فإيران تستعتد للجولة القادمة وسوريا تستعد للجولة القادمة ونحن لا نعلم
حقاً حتى وقوع الجولة القادمة ما إذا استعدينا للرد بالشكل الكافي".
إضافةً إلى المستوى العسكري والسياسي والإستراتيجي، يجد سباير أيضاً
إيجابيات في طريقة رد المجتمع الإسرائيلي. فيقول إنّ "واجداً من الإدعاءات
الأساسية للإسلاميين هو أن المجتمع الإسرائيلي ضعيف وأن المجتمع الإسرائيلي
يفتقر إلى الإرادة في التعامل مع نزاع من هذا النوع. لكن ذاك الادعاء
بالخصوص لم يكن مطلقاً".
"في الواقع، ردّ المجتمع الإسرائيلي بثبات أعظم بكثير، مع رزانة أكبر على
هذا الوضع، بالتأكيد أكبر مما اعتقد العدو ومما اعتقده الكثير منّا. إذا ما
نظرت إلى رد العامة على الانتفاضة الثانية، مع تعرض مئات الأشخاص للقتل
إثر الهجمات الإرهابية، لكن المجتمع لم ينهار. كما أنّ المجتمع لم يردّ
بالثأر والانتقام أو في المقابل بالانهيار الأخلاقي. ما من شيء من تلك
الأمور قد حدث وواصل المجتمع حياته".
"في ذاك السياق، هناك مجال للتفاؤل الحذر. رغم ذلك، هو تحد كبير ونحن بحاجة
لكل الإبداع والطاقة التي نمتلكها كمجتمع للتعاطي مع هذا الأمر".
وفيما لا يعتبر سباير الحرب إخفاقاً إستراتيجياً واسعاً، يقول أنها سلطت
الضوء على عيوب خطيرة جداً في النظام "من ناحية الرضا وفهم العدو والفشل في
الرد على جدية التحدي. كل هذه الأمور برزت بألوان جداً غير مغرية. كانت
لحظة خطرة جداً بالنسبة لإسرائيل، لكن إذا ما نظرنا إلى عملية الرصاص
المسكوب في غزة بعد عامين، رغم أنّ حماس عدو لا يُضاهي في التحدي حزب الله،
شهدما بعض التحسينات في أداء إسرائيل رغم المشاكل الهائل التي ظهرت من
الحملة".
"على سبيل المثال، عسكرياً: ما من شك أنّ أداء إسرائيل كان أكثر تفوقاً مما
كان عليه في العام 2006. أما فيما يتعلق بالحرب الإعلامية الدبلوماسية
السياسية الأوسع التي كانت تجري بموازاة الجانب العسكري، فمرة أخرى بدأ
النظام بفهم الحقات ذات العلاقة بالسمة الشرعية والرغبة في إبعاد إسرائيل
عن منطقتها الداخلية في العالم الغربي. فإسرائيل، والعالم اليهودي ككل،
أصبح للتو فقط يبدأ بالرد على هذا الأمر".
"هناك رغبة نشطة جداً على الأقل للبدء بالتعاطي مع هذا الأمر وبدء العمل
بطريقة فعالة. لكن لم نحصل بعد على ردّ فعال. لدينا الرغبة بتطوير واحد،
وهو موجود في الأصل. لكن لبنان الـ2006 صبغ إسرائيل بلون غير مغر ونحن نبدأ
بالردّ على هذا الأمر. هناك بعض الاثباتات أننا في غزة ردينا بشكل جيد على
المستوى العسكري، لكن على الجبهة السياسية والدبلوماسية لا نزال في بداية
المنعطف. فالعدو متقدم كثيراً عنا من ناحية طاقته وتنظيمه وشبكاته. أما نحن
ففي بداية الردّ وفي بداية الطريق للوصول إلى هناك، تقول بطاقة التقرير
(يمكن أن نقوم بالأحسن)".
بالنسبة لسباير، الفشل الأولي في إدراك شدة المد المتصاعد للإسلامية ينجم
من الاحساس العام في العالم الغربي في التسعينيات أنّ "نموذجنا الاجتماعي
الحضاري نجح وأنّه لم يتبق تحديات خطيرة". إسرائيل أيضاً عكست ذلك الواقع.
ففي منتصف الحُمى عالية التقنية والتطلع نحو جني ثمار العولمة، "كان
الصراع، بالنسبة لكثير من الناس، قديماً ومملاً ونهائياً، وقد حان الوقت
للمضي مع مواد جديدة".
ويُكمل سباير قائلاً: "لسوء الحظ، ذاك الاحساس السائد دفع معظم المجتمع
لتجاهل الإشارات الواضحة جداً بأن النزاع لا يزال أمامه طريق طويل وأن
طاقاته لم تُخمد وأنه من المحتمل أن يندلع مرة أخرى في مرحلة معينة". كما
حصل في أوأخر العام 2000. أوحي أنّ العالم الغربي استفاق بعد مأساة 11
أيلول. ويمكن القول أنّ إسرائيل تلقت نداء استيقاظ مشابه قبل ذلك بعام.
فلنقل "إنّ تسعينيات إسرائيل انتهت في خريف العام 2000 وبالنسبة للعالم
الغربي انتهت تسعينياته بعد عام".
ـ إذاً بعد أن صحت على تلك الحقيقة، ما الذي يجب أن تفعله إسرائيل؟
ـ لنا ارتباطات عامة مع ثلاث جبهات، واحدة عسكرية وأخرى
إستراتيجية وسياسية ودبوماسية وجبهة ثالثة حيث نحصل على لمحات خاطفة من حين
لآخر على حرب سرية تحصل في كافة أنحاء المنطقة، هي حرب ظلّ بين إسرائيل من
جهة وإيران وأصدقائها من جهة أخرى.
بالنسبة للحرب السرية، ليس لدي خبرة. لكن آمل بصدق أن يكون للأشخاص الذين
ندفع لهم الضرائب أناس يعرفون ماذا يفعلون. وهناك بعض الاثبابات أن الوضع
كذلك.
أمّا بالنسبة للجانب السياسي والعسكري، فمن المهم جداً لإسرائيل الارتباط
بالقوات المتطورة حيثما تستيطع. ومن المهم جداً لإسرائيل أن لا تنظر لهذا
النزاع بشكل منعزل: فليست إسرائيل ضد المنطقة، أي ضد العرب.
بالعكس، لدى إسرائيل حلفاء طبيعيون "حلفاء التوافق وليس الحب" في كافة
أنحاء العالم العربي. فالتهديد الإيراني ليس أقل فظاعة بالنسبة للسعودية
والدول الخليجية الصغيرة والديمقراطيين اللبنانيين والديمقراطيين
الفلسطينيين مما هو عليه بالنسبة لإسرائيل.
إن ألقينا نظرة على وثائق ويكيليكس، يمكننا أن نرى كيف أن بروز تلك المسألة
يظهر حيث تُغلق الأبواب ولا تكون بحاجة لتوضيح أكثر. ففي الحقيقة، ما
يُريدون حالياً التحدث بشأنه هو التهديد الإيراني. لذا، هي قاعدة كبيرة
لتوسيع وجهة النظر السياسية من أجل تحديد موقع إسرائيل كجزء من الرد الأوسع
على هذا التحدي الإيراني.
إسرائيل بحاجة أن لأن تقوم بكل ما أمكنها لدفع العالم الغربي على إدراك أنّ
هذه هي الصورة الحقيقية لما يحصل في المنطقة. فالمسألة ليست فقط متعلقة
بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. فهذه العبثية اللانهائية ترغب بدفع ما
يُسمى بعملية السلام إلى الطريق الصحيح. إذا هناك صورة أوسع للأهمية
الحاسمة بأنّ إسرائيل بحاجة لأن تعمل يومياً على طبع عقول حلفائها
الغربيين. وإلى الآن، هي لم تفعل ذلك. لحدّ لا يوجد إدراك في واشنطن،
وبالتأكيد في العواصم الأوروبية، بأنّ هذا النزاع حاصل وأنّ نتيجته تهمنا
كثيراً. لذا، على المستوى السياسي هناك الكثير يجب القيام به.
على المستوى العسكري، من الضروري لإسرائيل أن تردّ بنوع جديد من الحرب، حيث
لا تكون على شاكلة الأسلوب القديم للحرب المدرعة المتنقلة التي برعت فيها
إسرائيل في الماضي. بل يجب أن تكون أسلوباً مختلفاً من الحرب اللامتناظرة،
ترتكز على استخدام الصواريخ وقوات حرب العصابات وهذا يُمثل تحديات جدية
بالنسبة لإسرائيل. مساهمتي الرئيسية هي في النهاية السياسية الدبلوماسية
للحملة، التي بدأت للتو.
ـ هل يمكن تحقيق النصر في هذا النوع من النزاع؟
ـ لن يكون هناك ما يُشبه أي نوع من برلين 1945 مع قبول الجنرالات
الأمريكيين المتجهمين باستستلام الحرس الثوري. أعتقد أنه على الأرجح سيُشبه
التقدير الكلاسيكي للصراع الإسرائيلي- العربي مع مصر والنظام المصري
والقومية العربية العلمانية في وسطه. في النهاية، لم يتم الانتصار في ذاك
الصراع عبر ضربة قاضية وحيدة على الرغم من أنه واجه لحظة واتلرو في العام
1967. في النهاية، تم الانتصار في ذاك الصراع بسبب القومية العربية والدول
والحركات التي ارتبطت به، والتي خرجت ببطء عن المسار. هي لم تبنِ نموذجاً
اجتماعياً حضارياً ناجحاً ولم تستطع بناء نموذج عسكري عملي يجعل من النصر
حليفاً لها.
هي ركزت كامل حكمها على ذاك الأمر، ومع ظهور ذاك الفشل بوضوح بشكل تدريجي،
إثر هزيمة بعد هزيمة ونكسة بعد نكسة، وصلت هيبة تلك الحركات إلى قمة مسارها
ثم بدأت بالهبوط ببطء.
بالطبع كانت لحظة الحد الفاصل قرار أنور السادات بإبعاد مصر عن السوفيات
والتحقت بالجانب الأمريكي. بمرور الوقت، تلك الحركة ابتعدت عن المسار وبدأت
تظهر هرمة أكثر فأكثر وأقل جذباً لأغلبية الحشود في المنطقة لأنها ببساطة
لم تستطتع الإيفاء بالوعود التي قطعتها أثناء شبابها.
أعتقد أنه فيما يتعلق بهذا التحدي الإسلامي، هذا الوقت تركز في دولة غير
عربية هي إيران، ذلك الانتصار سيبدو بطريقة ما مُشابهاً. فبمرور الوقت، هذه
المجموعة العدوانية جداً والغاضبة جداً والمتفائلة جداً ستبدو أقل تأثيراً
مما هي عليه. ففي النهاية، هؤلاء الأشخاص سيُعانون من سلسلة من الهزمات
وسينتهون أو يسقطون، أو قد يختار النظام ترتيب نفسه وإنهاء تحديه لإسرائيل
والغرب. تلك هي حال الصورة التي ننظر إليها.
ـ هل من الممكن أن نصل إلى حدث مشابه لما حصل في برلين 1989 بدلاً من لحظة 1945؟
ـ لا أعتقد أنه من الممكن حدوث ذلك. فالفرق بين برلين 1989 وطهران الآن،
رغم المظاهرات التي شهدناها بعد الانتخابات المسروقة، أنّه في برلين كانت
السلطات الحاكمة والشيوعيون هرمين وكبار في السن ومتعبين وتقريباً مستعدين
للاستسلام. أمّا في طهران فالحشود ليست في ذاك المستوى؛ هم لا يزالون
جياعاً جداً والطريق طويل نحو الصعود إلى الأعلى. هم أتوا إلى السلطة عبر
العنف وسيفعلون أي شيء للبقاء فيها. إن فرصة خروج الشعب الإيراني كآلية
مزدوجة لانقاذنا ستكون أمراً رائعاً، لكن لا أعتقد أن هذا الأمر سيحدث.
ـ هل تعتقد أنّ إيران لديها الرغبة في الاشتباك بشكل مباشر في صراع مع إسرائيل؟
ـ ستفعل أي شيء لتفادي هذا الأمر. ففي حسّ معين، الإستراتيجية
الكاملة لإيران وأصدقائها هي إستراتيجية كيفية الفوز بصراع إستراتيجي حتى
لو كان لديك ضرر عسكري تقليدي واضح وعريض.
هذه محاولة لاستخدام جميع الأشياء التي يعرفونها والبارعون فيها. هم يعرفون
أنه على المستوى التقليدي لا يستطيعون هزيمة إسرائيل، لذا ربما أعلى من
هذا المستوى قد تكون حرب صواريخ أسلحة دمار شامل وأقل مستوى تكون حرب لا
متناظرة، مع حرب سياسية. هذه هي الطرق التي، رغم التناقض، ربما يفوزون من
خلالها. لذا أعتقد أنهم سيفعلون كل شيء يستطيعونه لتفادي الاشتباك المباشر.
قلت أنه في لبنان في العام 2006، أصبح واضحاً أنّ الإيرانيين كانوا يقومون
بكل شيء باستثناء الاشتباك المباشر مع القوات الإسرائيلية. فنحن نعلم الآن
أنّ فريقاً كبيراً من الحرس الثوري كان موجوداً في لبنان وسوريا في ذلك
الوقت. كانوا هم من ينقلون الأسلحة والذخيرة إلى حزب الله تحت غطاء الصليب
الأحمر الإيراني وسيارات الأسعاف.
بعد عام على الحرب، سافر سباير إلى لبنان كمدني. وكان قد قيل له أنه في
اليوم الذي أُصيبت فيه دبابته كانت الاستخبارات تعترض اتصالات باللغة
الفارسية، على الرغم من أنّ هذا الأمر لم يؤكد قط رسمياً. ويقول سباير:
"ليس من الصعب التخيّل حدوث ذلك الأمر. أقصد أن بعضاً من الأنظمة المتطورة
المضادة للدبابات كانت قيد التشغيل في ذلك اليوم ويمكن للمرء أن يتصور أنّ
الحرس الثوري الإيراني ربما لا يثق كلياً بالعرب لتشغيل الأنظمة بأنفسهم،
لذا هو ليس سيناريو سخيف بكل الوسائل. من الواضح أنهم كانوا متورطين، بل
كانوا متورطين حتى الضغط على المقبض. لذا هم شاركوا، لكن بالنسبة لحرب دولة
ضد دولة أعتقد أنهم سيفعلون كل ما يستطيعون لتفاي هذا الأمر. يبقى أنه إذا
ما كانت إسرائيل في صدد شنّ هجوم على منشآت إيران النووية، عندها ليس
مستحيلاً التصور بأن يكون هناك ردّ صاروخي بالستي".
ـ إذا ما استطاعت إيران امتلاك الأسلحة النووية، هل تعتقد أن النظام ستكون عنده الرغبة بتنفيذ ضربة نووية ضد إسرائيل؟
ـ الخطر الأساسي من إيران النووية ليس أنها ستشن فوراً ضربة نووية
ضد إسرائيل، بل ستستخدم قدرتها النووية كدرع تنفذ وتزيد من ورائه نشاطاتها
الهدامة في كافة أنحاء المنطقة. هذا هو أيضاً الخوف الرئيسي لدى كثير من
الدول العربية. فإيران في خضم عملية السعي للهيمنة الإقليمية. وإيران
النووية ستكون منيعة عملياً وستكون قادرةً على زيادة مدى ومجال نشاطاتها.
ـ تبدو ميالاً لوجهة النظر القائلة بأن تركيا وسوريا جزء من المعسكر الإسلامي.
ـ صحيح، لكن أعتقد أن المسألة معقدة فيجب أن نفصل بين الاثنتين.
بخصوص تركيا، أعتقد أن الحزب الحاكم عبارة عن ظاهرة سياسية إسلامية، ظاهرة
ذات استراد هائل لموقف تركيا الإستراتيجي عبر المنطقة وعبر الغرب. تمر
تركيا بتغيير كبير عما كانت عليه في الحرب الباردة، حيث كانت حليفاً
أساسياً لحلف شمالي الأطلسي في هذه المنطقة لتصبح قوة إسلامية تستدير
باتجاه الشرق ومنطقة الشرق الأوسط ككلّ.
ـ العديد من المحللين لديهم وجهة نظر مختلفة ويروْن سياسةً تريد الاشتباك مع الشرق والغرب.
ـ هم لا يُريدون الاشتباك مع الغرب. المسألة هي على أيّ شروط؟ ليس المسألة
أنني أضع تركيا كتحرك باتجاه المعسكر بقيادة إيران. فهذا لن يحصل أن تركيا
كبيرة ومهمة جداً لتكون رقم 2 في تحالف بقيادة إيران. إذا ما أرادت أن تصبح
تركيا جزءاً من أي تحالف فهي ستكون من يقوده. إن كنّا ننظر إلى منطقة
متغيرة، تنحسر فيها القوة الأمريكية إلى حد معين وجميع أنواع البلدان تتطلع
لملأ الفراغ، فعندها على الأغلب تكون النتيجة تنافساً إيرانياً- تركياً
بدلاً من تحالف إيراني- تركي.
ـ أليس هذا وضعاً يجدر بنا الاستفادة منه؟ ألا يجب على إسرائيل أن تبني علاقات جيدة مع تركيا؟
ـ بالتأكيد. يجب على إسرائيل في أي حال من الأحوال أن لا تكون
نظرها عدائية اتجاه تركيا. بل يجب أن نقوم بكل ما هو أمكن للمحافظة على
أفضل العلاقات وبالطبع لا تزال العلاقات موجودة. فعلى الرغم من من جادثة
مرمرة ورغم تعليقات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لم ينته الأمر
بعد. من الضروري أن نقوم بكل ما أمكن لعدم تحول تركيا إلى عدو؛ فتركيا ليست
عدواً وما من سبب يدفع لأن تكون كذلك.
لكن يجب أيضاً أن نعي أنّ الاتجاه الذي تسلكه تركيا حالياً على يد الحزب
الحاكم مُقلق، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل بلأيضاً بالنسبة للغرب. بمعنى آخر،
هي تركيا جديدة التي سنتعامل معها وسنجد طريقة للتعامل معها. لا أعتقد أن
تركيا هذه ستنحاز إلى جانب الإيرانيين وهي ليست تلك التي سوف تُشكل نوعاً
من التهديد المباشر لإسرائيل كالذي تُشكله جمهورية إيران حالياً، لكنا
ستكون تركيا التي يجب أن نكون واعين لها.
لا أعتقد بأنه يجب أن نُقلل من عواطف أردوغان والناس المحيطة به اتجاه
إسرائيل. فقد وُصف بأنه شخص "يكره" إسرائيل. بالتأكيد هذا صحيح، لكن هناك
مجال للمناورة بناءً على طبيعة تركيا بطريقة لا تكون فيها مع إيران. ويجب
أن نعلم كيفية تشغيل واحد ضد الآخر. هما ظاهرتان مختلفتان، لكنهما تحديين
حقيقيين.
ـ ماذا بشأن سوريا؟ وكيف ترى سوريا باعتبارها جزءاً من ذاك المعسكر؟
ـ سوريا حالة مختلفة كلياً. فسوريا فرد أساسي في المعسكر الموالي
لإيران وأعتقد أن سوريا ستستمر في كونها كذلك. أعلم أن هناك أفراداً في
مؤسستنا الأمنية يعتقدون بقوة أن سوريا، بطريقة أو بأخرى، يمكن إغراؤها
للابتعاد عن التحالف بقيادة إيران. لا أريد أن أرفض النظرية، لكن جميع
المحاولات للتقارب من سوريا خلال نصف العقد الماضي برهنت فشلها بالكامل
واستفادت سوريا من ذلك بشكل كبير، من وجهة نظرها، ومن علاقاتها مع إيران.
فمن خلال علاقاتها مع إيران تستيطع سوريا استعادة قوتها في لبنان والتأثير
على الأحداث في العراق والمساعدة في التأثير على الأحداث بين الفلسطينيين.
هذه كلها جميعاً منتجات العلاقة السورية- الإيرانية. فلما ستتخلص من هذه
العلاقة حين تكون مجنية للثمار؟
ـ أليست إذاً مسألة مصالح أكبر من كونها مسألة عقيدة؟
ـ مع نظام الأسد هي مسألة مصلحة أكبر من كونها مسألة عقيدة، لكنها
مسألة مصالح نظام الأسد، وليس مصالح سوريا. يُريد النظام البقاء ويمكننا
أن نرى أن النظام مستفيد دائماً، منذ أن وُجد وتحالفه مع المخرّب الإقليمي
القوي جداً ومن ثمّ تحويل ذلك التحالف إلى حالة يكون فيها ثقلاً فوق وزنه
دبلوماسياً في المنطقة، ثم يستطيع بعث الإشارات التي يستطيع من خلالها
المزايدة ويلعب بذكاء في معسكر ضد آخر. وهذا ما تقوم به سوريا الآن.
أما بخصوص الأيديولوجيا، فمن الحكمة القول أنّه عبارة عن نظام غير
أيديولوجي وأن المسألة عبارة عن بقائه، لكننا بحاجة لتعقيد تلك الصورة
قليلاً. بالطبع، نحن لا نعرف ما يجول في عقل الرئيس بشار الأسد، لكن هناك
من يقول لنا أن علاقة بشار بـ (السيد) حسن نصر الله وحزب الله أمر مختلف
كلياً عما كانت عليه العلاقة بين والده وزبائنه الإرهابيين أو شبه
العسكريين. فحافظ الأسد كان يستهين بهؤلاء الأشخاص فيستخدمهم وينبذهم وفقاً
لرغبته أو حاجته. من الصعب جداً التحديد، لكن هناك شعور بأنّ بشار يكسب من
هذا المعسكر ومن هذه القوة الإقليمية الأصيلة ضد كل أنواع الدمى وخدام
الغرب.
هناك شعور بأنه يتعاطى مع هذا الأمر بشكل جدي وأنها ليست فقط مسألة تهكم
بارد. إذا كان الوضع على هذا النحو، فهذا مدعاة للقلق، لكنه يُساعدنا أيضاً
على فهم سبب عدم احتمال تغيير سوريا موقعها ولما أثبتت هذا العناد في
موقفها رغم الإغراءات الكثيرة التي ٌثدمن من قبل الرئيس الفرنسي نيكولاس
ساركوزي والسعوديين وإدارة أوباما.
ـ إلى أي مدى يُصبح لبنان وكيلاً إيرانياً بقيادة حزب الله؟
ـ الإيرانيون يكسبون في لبنان. بصراحة، حركة 14 آذار والحكومة
والقوى المعادية لإيران والقوى الموالية للغرب تبقى إلى حد كبير "زينة"
لإخفاء حقيقة أن حزب الله بشكل لا نظير له هو المهيمن. والحديث الآن عن
اتهامات ستصدرها المحكمة الخاصة، التي تحقق باغتيال رئيس وزراء لبنان
الأسبق رفيق الحريري، فأريد أن أسأل من في الواقع سيذهب ويعتقل مقاتلي حزب
الله (الذين قد يُتهمون). بالطبع حزب الله سيقاوم بقوة السلاح. فما هي
القوة الموجودة لتحديه؟ الجواب حالياً لا شيء. حركة 14 آذار، كما نعلم من
أيار 2008، لا تملك قوة تستطيع مقاومة حزب الله. والمجتمع الدولي لن يقوم
بإرسال الرجال للقبض على هؤلاء المشتبه فيهم من حزب الله.
لذا أشكّ بأن ما سيحدث لن يكون انقلاباً من جانب حزب الله، بل المجتمع
الدولي سيكون أكثر إدراكاً للأمر الواقع "الوضع القائم هيمنة حزب الله،
وقوة حزب الله التي لا نظير لها في لبنان". حزب الله وبالنتيجة إيران
لديهما موقع الحصانة في لبنان أقله في وجه أي قوات لبنانية داخلية قد تحاول
في مرحلة أو في أخرى شنّ معركة. فإذا كان حزب الله لا يحكم لبنان علناً
اليوم، وإذا كان (السيد) حسن نصر الله لا يُعلن نفسه الرئيس الشيعي الجديد
للبنان، فهذا لأنه لا يُريد ذلك، وليس لأنه لا يستطيع.
ـ هل تجد أمريكا والغرب فاشلين في فهمهما الإستراتيجي لديناميكيات المنطقة؟
ـ أساساً هناك إخفاق في الفهم. لحد الآن ليس هناك إدراك في دوائر
السياسة الغربية وأوروبا وأيضاً في واشنطن بأنّ هذه هي طبيعة اللعبة التي
تجري، فهذه هي الديناميكية الأساسية للمنطقة وهذا هو التحدي الأساسي وأننا
كالغرب إما سنشترك فيها أو سنواجه منطقة فيها الكثير الكثير من عدم
الاستقرار والقليل القليل من قدرة الغرب وحلفائه على ترويج مصالحهم الخاصة.
إنها المعركة أو الرحيل، إما نتوجه لإيقاف هذه العملية أو يجدر بنا قبول
الوضع بحيث نُدفع إلى التراجع في المنطقة والقوة التي تدفعنا ليست من النوع
الذي يُليّن بأساليب المصلحة المتبادلة. بل هو واحد من تلك التي تكون
مصالحه وطموحاته تهدد العافية وحتى الحضور للتواجد المهم في المنطقة،
وإسرائيل واحدة من هذا التواجد.
ـ كيف ترى إدارة أوباما ضمن هكذا حسابات؟
ـ أخاف من أن تُعطى إدارة أوباما تصنيف منخفض جداً. فهذا الفهم
غير موجود. بل على العكس، هناك وجهة نظر مختلفة. هي تبنت وجهة النظر
السخيفة ومفادها أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني هو القضية الإستراتيجية
الأساس في المنطقة وكل شيء يعتمد على ذلك. أنت تبدأ بهذا وتنتهي بوضع سخيف
مفاده أنّ زيادة شرفة في شقة تُصبح فجأة تهديداً إستراتيجياً لسلام المنطقة
أكبر من تهديد سعي إيران المتواصل اتجاه الهيمنة على العراق ولبنان
والمعسكر الفلسطيني واتجاه القدرة النووية.
هذا وضع سخيف، لكنه يبدأ بفهم خاطئ أنّ القضية الأساس هي القضية
الإسرائيلية- الفلسطينية والتحدي الإيراني واحد من نتاجها. من الجهة
الأخرى, ليس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المحرك الذي يقود العمليات الأخرى
في المنطقة. الآن، هناك عملية أخرى، هي الدفع الإيراني في كافة أنحاء
المنطقة الذي يقود الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني".
المصدر: "جيروزاليم بوست "