كيف حرّر المجاهدون قضاء بنت جبيل
والقطاعين الأوسط والغربي؟
كيف تخلّى العدو عن "المناطق الاستراتيجية"
الآليات المحترقة على طول الطريق من كفرتبنيت الى الخردلي وتل النحاس
"لا ننسى الشهداء الذين قدموا دماءهم ليتحقق هذا التحرير"
(من ذاكرة التحرير - جريدة الانتقاد – أمير قانصوه العدد الخاص بذكرى الانتصار والتحرير أيار2000)
لم يكن بلاغ قيادة المقاومة الاسلامية الى الوحدات الميدانية عند تخوم بلدة القنطرة، للبدء بعملية التحرير، ليغفل بقية القطاعات، فالبلاغ العسكري نفسه وصل الى مختلف وحدات المقاومة الميدانية والمنتشرة على طول خط الجبهة مع العدو، للاستعداد التام وإعلان حالة الاستنفار القصوى للانطلاق بعملية تحرير واسعة للمنطقة المحتلة وفقاً للخطة المقررة، التي تعتمد مثال كرة الثلج المتدحرجة، للانتقال من منطقة الى اخرى.
هنا الجزء الثاني والاخير من عملية التحرير الكبرى، التي رواها لـ"الانتقاد" عدد من كوادر المقاومة الاسلامية ممن قادوا الوحدات الميدانية. وفي هذا الجزء تكشف المقاومة عن الوقائع الميدانية لتحرير القطاعين "الاوسط" و"الشرقي".
أبو عباس
من منطقة العديسة حولا.. ننتقل الى قضاء بنت جبيل، ليروي لنا المجاهد ابو عباس، احد القادة الميدانيين، كيف تمت عملية تحرير هذه المنطقة.
ـ كيف بدأ التحرير في هذه المنطقة؟
قبل ظهر يوم الاثنين 22 أيار/مايو، دخل الاخوة الى بلدة حولا وكان ذلك حافزاً للتحرك باتجاه منطقة بيت ياحون، اثناء وجود الاخوة المجاهدين على مشارف بلدة بيت ياحون، كانت تبدو لنا حركة غير طبيعية في الموقع، تُظهر حالة الضياع لدى عناصر هذا الموقع. ومن ذلك مجيء سيارات مدنية، علمنا انهم كانوا من ذوي العملاء الذين اتوا لأخذ أولادهم، كما قامت مجموعة من العملاء في حافلة بتسليم انفسهم عند معبر بيت ياحون وتحدثوا عن اطلاق نار عليهم من العملاء عند صف الهوا. وهذا كان الدافع الرئيسي ومؤشراً مهماً لنا للتحرك باتجاه موقع بيت ياحون.
بدأ الاخوة بالتحرك، وعند وصولهم الى معبر بيت ياحون تلقينا معلومات من وحدات الرصد في المقاومة بأن العملاء في المعبر والموقع بدأوا بالهرب.. وكانت الصورة ان مجاهدينا وخلفهم الاهالي يتقدمون الى المنطقة فيما العملاء يتراجعون ويفرون. وصلنا الى المعبر، فسقطت بعض القذائف في محيط بلدة بيت ياحون التي فرّ اليها العملاء. بعد ان سيطر المجاهدون على الموقع الجديد.
تقدم المجاهدون الى بلدة بيت ياحون، فتابع العملاء الفرار باتجاه بلدة كونين وخلفوا وراءهم دبابة وبعض العتاد العسكري في قلب بلدة بيت ياحون. واستسلم بعضهم للمجاهدين.
بدأ العدو الرماية من دبابة في صف الهوا، قيادة اللواء الاسرائيلي باتجاه بيت ياحون وأصيب عدد من المواطنين عند اطراف البلدة وذلك لمنع التقدم باتجاه كونين. فالاسرائيليون كانوا لا يزالون في صف الهوا.
قام المجاهدون بضرب الدبابة التي كانت تقوم بأعمال القصف على المدنيين، ما ادى الى احتراقها وإصابة طاقمها.
التقدم باتجاه بيت ياحون تزامن مع تقدم المجاهدين باتجاه موقع برعشيت من داخل بلدة برعشيت حيث تمت السيطرة عليه.
خلال قطع العدو للطريق بين بيت ياحون وكونين كانت مجموعات من المجاهدين توغلت الى داخل بلدة كونين.
العدو عمد أيضاً في هذا الوقت الى قصف طريق تبنين بيت ياحون التي كانت تشهد دخول عدد كبير من الاهالي الذين بدأوا بالتهافت الى المنطقة بعد سماعهم خبر تحرير المقاومة بلدة بيت ياحون.
كما عمد الطيران الى قصف محيط بيت ياحون والطريق المؤدي الى تبنين.
بعد الدخول الى بلدة بيت ياحون اصبحت منطقة الـ17 مكشوفة على مستوى الرؤية للمجاهدين وتحت مرمى النيران المباشر، هنا تقلّصت خيارات العدو وأصبحت السيطرة تامة من قبل المجاهدين على منطقة بيت ياحون.
في هذا الوقت كانت الاخبار تتوالى من بنت جبيل عن حالات الهلع والخوف التي تسيطر على العملاء، حيث اطلقوا النار على الاهالي الذين تظاهروا داخل بنت جبيل للتلاقي مع القادمين من خارجها ولدفع العملاء للخروج.
ـ متى ترك الاسرائيليون ثكنتهم في صف الهوا؟
بمجرد دخول المجاهدين الى بيت ياحون وسيطرتهم على المنطقة بدأ العدو يفكر كيف يخرج قواته من منطقة صف الهوا خصوصاً ان ذلك لم يكن بعيداً عما يحصل في بقية المناطق.
لكن اثناء النهار، بعد ان تم تدمير الدبابة، لم يعد العدو قادراً على التحرك، خوفاً من الضربات التي قد تتعرض لها قواته من المجاهدين.
لذلك انتظر حتى حلَّ الظلام، مساء يوم الاثنين فبدأ بإخراج قواته من المنطقة، فجر يوم الثلاثاء (23 ـ 5) دخل المجاهدون الى مدينة بنت جبيل، وهم كانوا على تماس معها، بعد ان تم ضرب طوق عسكري في المنطقة لحماية الاهالي الذين كانوا في بيت ياحون وفي كونين من أي عدوان قد ينفذه العدو ضدهم.
ـ هل سلّم اللحديون في صف الهوا انفسهم ام فرّوا؟
عدد كبير منهم كان قد ترك الثكنة وذهب الى بيته بانتظار دخول المقاومة حتى يسلّم نفسه والاخرون ممن يعرفون حقيقة ارتباطهم الوثيق بالعدو ومستوى الجرائم التي نفذوها، فروا مع العدو خلال الليل.
ـ كيف كان يتم الدخول الى مواقع العدو؟
بالتأكيد كان هناك "تكتيكي" عسكري ينفذه المجاهدون باتجاه هذه المواقع، تقوم فرق الهندسة بفتح الطريق ثم يتم اقتحام الموقع كثكنة الـ17 دون اطلاق نار، لكن الاجراءات العسكرية تقتضي الحذر من غدر العدو.
اللافت في ثكنة الـ17 ان العسكريين الصهاينة خلّفوا وراءهم ثيابهم المدنية، فلم يكن لديهم وقت كاف لأخذ أمتعتهم.
وهنا أذكر اننا عند الدخول الى موقع بيت ياحون وجدنا "الترويقة" جاهزة، وصحن الفول كان لا يزال ساخناً.. وهذا يدل على انهم لم يتحسبوا لهذا الموقف.
في ثكنة الـ17 ما استطاع العدو حمله، اخذه معه. يعني ما خف حمله وما غلى ثمنه، بالتأكيد من الناحية الامنية. وترك الآليات والاعتدة العسكرية.
ـ كيف أكملت عملية التحرير بعد بنت جبيل؟
بعد تحرير مدينة بنت جبيل والقبض على العملاء بدأ المجاهدون التحرك باتجاه عيناتا والقرى المجاورة. وكانت الاجواء اشبه بعرس للأهالي المقيمين والقادمين.
"القطاع الشرقي"
الأخ المجاهد ابو احمد حدثنا عن تحرير منطقة القطاع الشرقي كما كان يسميها الاحتلال وهي الممتدة من الدبشة مروراً بأقليم التفاح حتى حاصبيا يبدأ حديثه بالقول:
بداية التحرير في هذه المنطقة سبقت موعد التحرير الذي بدأ من الغندورية بأسابيع عندما اقتحم المجاهدون موقع عرمتى ونسوفه وبالتالي اندحر العدو عن هذه المنطقة وتحررت بلدة عرمتى.
ثم سقط موقع بئر كلاب وقبل اشهر قليلة كان العدو اندحر عن موقع سجد الاستراتيجي، وأتبعه اندحاره عن موقع عرمتى ومع التحرير دخل المجاهدون الى منطقتي الريحان والعيشية، عندما شعر العدو بالخطر استغل الليل لهروبه من هاتين المنطقتين. وحتى انه ترك العديد من الاليات المهمة فقام بالاغارة عليها لتعطيلها وتدميرها لأنه لم يستطع سحبها.
ـ هذه المنطقة كانت تشكل منطقة استراتيجية للعدو؟
ما يميز هذه المنطقة، ان المواجهة التي جرت هناك كانت مواجهة عسكرية بكل ابعادها. ووجهت له ضربات عسكرية قاسية. وهذا يعني ان الانسحاب كان خارجاً عن ارادته.
ترك المنطقة كان قراراً صعباً بالنسبة له، فمجرد الانسحاب من هناك يعني وصول المقاومة بشكل مباشر للعمق الاسرائيلي، والمواقع القيادية للعدو والعملاء. لذلك كان قرار البقاء في هذه المواقع والاستمرار فيها، فقط من اجل ان يحافظ العدو على ما تبقى من مواقعه القيادية في مرجعيون والعيشية وقلعة الشقيف والدبشة.
ـ ماذا تتذكر عن الانسحاب من هذه المنطقة؟
اللافت هنا، هو المشهد الذي لا يذهب من الذاكرة، الآليات الصهيونية المحترقة على طول الطريق من كفرتبنيت نزولاً الى الخردلي ومن ثم صعوداً الى تل النحاس، المشهد، هو لجيش مهزوم، فلوله كانت لا تزال في الطريق، كان المشهد يذكرك بإنكار الجيوش، اعتقد اننا ثأرنا فيه لما كان يفعله العدو بالجيوش العربية.
ـ اذا اردت ان تصنف اليوم هذا الانسحاب ماذا تقول فيه؟
هذا هروب وفرار، في ثكنة مرجعيون الوثائق تحترق والسيارات لا زالت مفاتيحها فيها. هذا يؤكد كيف ان الاسرائيلي فرّ مذعوراً.
الوعد الالهي
ـ الأخ المجاهد ابو عباس: بعد سنوات من عملك في المقاومة، ماذا عنى لك ان تشاهد هزيمة العدو؟
هذا هو الوعد الالهي، بأن الله سينصر عباده. وهو أمر حتمي نحن كنا على يقين من هذا الامر. لكن لم نكن نعلم ان كان سيتحقق على ايدينا او ايدي ابناءنا او اخواننا.
(يقاطعه المجاهد ابو احمد فيقول):
النصر اثبت لنا ان الاسرائيلي هو أضعف حتى مما كنا نتوقعه نحن نعلم ان هذا الكيان هزيل وضعيف. وهو كبيت العنكبوت، جاء الانتصار والهزيمة وفرار العدو فتأكدنا انه اضعف من ذلك.
ـ الكثير من اخوتك المجاهدين استشهدوا هل تمنيت لو كانوا موجودين لحظة التحرير؟
نحن كنا نتمى ان نكون بينهم لكن الله لم يرزقنا الشهادة.
لكن عندما كنا نجول كنا نستذكر أي شهيد سقط في هذه المنطقة او تلك وكنا نتمنى لو كان حاضراً ليشهد هذا النصر وهذا الفوز العظيم، والذي هو أدركه بشهادته.
(ويعود أبو عباس للقول):
كنا نستذكر الشهداء، لكن لا بد من ان نقف عند امر، ان هذا النصر كان ثمنه الدم ولولا هؤلاء الشهداء لما تحقق. وهم سقطوا حتى نصل الى ما وصلنا اليه.
ـ عندما تدخل اليوم الى المنطقة المحررة، وتصل الى منطقة كنت تدخل اليها عسكرياً، ما هو انعكاس ذلك عندك؟
كانت هناك منطاق تحتاج الى جهد ومشقة استثنائياً منا، الآن ندخل اليها بطريقة سهلة جداً، هنا نشعر بأهمية الجهد الذي كنا نبذله والمخاطر التي كنا نتعرض لها. فما نحن فيه اليوم هو ثمرة من ثمرات الجهاد الذي يحتاج الى الكثير من الصبر.
عندما نتجول في المنطقة المحررة، نشعر بالنعيم، نشعر بالشهداء والمجاهدين الذين قدموا الدماء والذين أتاحوا لنا ببركة عطائهم وببركة ارواحهم الطاهرة الوصول الى هذه الارض. وبفضلهم ننعم اليوم بالانتصار.
ثم ان اهالينا في هذه المنطقة، كانوا معذبين وإن شك العدو بأن احداً يتعاون مع المقاومة كان يشرّد اهله ويعذبهم ويلاحقهم ببركة دم الشهداء الذين ضحوا وقدموا وسهروا الليالي ارتفع هذا العناء وها هم اهلنا يعيشون بكرامتهم.