خلاصات استراتيجية لعمليات الأسر وأبواب حرية للشعب العربي
محمد الحسيني (خاص موقع المقاومة الاسلامية)
توّجت عملية تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الصهيوني التي جرت في إطار عملية تبادل بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، وبين الكيان الصهيوني سلسلة مضيئة من عمليات التبادل بين العرب والعدو تعود إلى عام 1948.
لا يمكن العثور على إحصائية محدّدة وثابتة لعدد الأسرى والمعتقلين العرب الذين احتجزهم العدو في سجونه، حيث كان الاحتلال يعمد إلى شن حملات اعتقال شاملة ومؤقتة يفرج بعدها عن عدد من المعتقلين، ويمكن الحديث عن حوالي مليون عربي بين مدني وعسكري فلسطيني ومن جنسيات أخرى تعرضوا للاعتقال والخطف داخل فلسطين المحتلة وخارجها، في حين وقع نحو ألف جندي ومستوطن صهيوني في يد المقاومات العربية والإسلامية، ويشمل هذا العدد الأحياء والجثامين.
عملية وفاء الأحرار
نصّت عملية التبادل "وفاء الأحرار" التي جرت بتاريخ 18/10/2011 على تحرير 1027 معتقل فلسطيني من سجون العدو، وخرج 477 منهم إلى الحرية من بينهم 27 أسيرة، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط التي أسرته فصائل المقاومة (كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام) في عملية أُطلق عليها اسم "الوهم المتبدد" في العام 2006 في موقع "كرم أبو سالم" في مدينة رفح بالقرب من الحدود الفلسطينية - المصرية، وتحمل هذه الصفقة التي جرت بوساطة مصرية، الرقم السابع والثلاثين في مسار عمليات التبادل، التي جرت بمفاوضات واتفاق عبر وسيط عربي أو أجنبي. عملية الرضوان
وآخر صفقة تبادل تاريخية كانت عملية "الرضوان" التي جرت بتاريخ 16 تموز 2008 وتحرّر بموجبها عميد الأسرى سمير القنطار، وأربعة مقاومين أسروا خلال حرب تموز 2006 هم: خضر زيدان، ماهر كوراني، محمد سرور، وحسين سليمان، وإعادة رفات 199 جثمان لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين من بينهم رفات المقاومة الفلسطينية دلال المغربي، كما تم إطلاق سراح مئات من المعتقلين الفلسطينيين. وبالمقابل استعادت "إسرائيل" جثتي الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرتهما المقاومة الإسلامية في 12 تموز 2006 أيهود غولدفاسير وإلداد ريجيف. عمليات تبادل متزامنة
وتأتي هذه الذكرى متزامنة مع عملية تبادل جرت بتاريخ 21/10/1991 حيث أفرجت منظمة الجهاد الإسلامي عن الجاسوس الأميركي جيسي تيرنر، الذي كان يعمل أستاذاً لمادة الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت، في مقابل إطلاق "إسرائيل" سراح 15 معتقلاً لبنانياً بينهم 14 من سجن الخيام، وتتزامن أيضاً مع مناسبة إعلان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن أسر الجاسوس الإسرائيلي العقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي ألحنان تننباوم بتاريخ 15/10/2000، ومع ذكرى تحرير جثمان شهيدي المقاومة الإسلامية محمد يوسف عسيلي ومحمد دمشقية، اللذين استشهدا خلال عدوان تموز 2006، وجرت بتاريخ 15/10/2007، وشملت الصفقة أيضاً الإفراج عن المواطن اللبناني حسن عقيل الذي اختطفه العدو أثناء الحرب، وذلك مقابل تسليم حزب الله جثة أحد المستوطنين من اليهود الفلاشا كان يصطاد في البحر ويبدو أنه غرق وساقته الأمواج إلى الشواطئ اللبنانية. خلاصات استراتيجية
"الثمن الباهظ" بحسب تعبير رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي اضطر الكيان الصهيوني إلى دفعه مقابل تحرير الجندي "شاليط" لا يقف عند حدود عدد الأسرى الفلسطينيين الذين رأوا قرص الشمس كاملاً للمرة الأولى، ولا عند الدفعة الثانية التي ستليها بعد أقل من شهرين من تحرير الدفعة الأولى، ويتحرّر بموجبها 550 أسيراً فلسطينياً، خصوصاً أنه لا يزال يقبع في سجون العدو ما يربو على عشرة آلاف محتجز فلسطيني من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يقف أيضاً عند حدود فتح الباب أمام حكومة مصر الجديدة التي ألحقت الصفقة الفلسطينية باتفاق لتحرير 25 أسيراً مصرياً محتجزاً في السجون الإسرائيلية مقابل الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي "إيلان غرابيل" الذي ألقت السلطات المصرية القبض عليه في عهد الثورة، فهذا الثمن يتبدّى في خلاصات استراتيجية في مسار الصراع العربي – الصهيوني أولها أن هذا المسار اكتسب عنواناً لسلاح جديد اسمه "عمليات الأسر"، وهو سلاح استطاعت المقاومة الإسلامية في لبنان أن تكرّسه كخيار عسكري – أمني أثبت نجاعته في إحداث المزيد من الثقوب في بنية المجتمع الإسرائيلي جيشاً ومستوطنين ومؤسسات. ما بين غزة والضاحية الجنوبية
والخلاصة الثانية جاءت على لسان الكثير من المعلّقين والكتاب الإسرائيليين الذين تحدثوا عن تطابق المشهد بين غزة والضاحية الجنوبية حين فاجأ السيد نصر الله الحشود الذي حضرت لاستقبال الأسرى المحررين في ملعب الراية، وبين اعتلاء رئيس الحكومة اسماعيل هنية المنبر ليخطب في الحشود، وبين سمير القنطار الذي ارتدى بذلة عسكرية وعاهد سماحة الأمين العام والشعب اللبناني بالعودة إلى فلسطين مقاوماً، وبين يحيى السنوار الذي ارتدى بذلة عسكرية أيضاً معاهداً على استمرار المقاومة ضد الاحتلال على وقع هتافات طالبت بـ "جلعاد جديد" لتحرير ما تبقى من الأسرى الفلسطينيين الأبطال، وهو ليس تشابهاً في الشكل بقدر ما يعكس تماهياً وتوأمة بين المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين المحتلة، ليشكلا فكّي كماشة يضغط على رأس الاحتلال، وما تجربة حرب غزة الفاشلة وعدوان تموز اليائس إلا واحداً من تجليات هذا التماهي. وحدة الفلسطينيين والعرب
وفي الخلاصة الثالثة أنه، ولئن كانت سجون العدو قد خلت من المعتقلين اللبنانيين، إلا أن تشابهاً آخر سجّل في العمليتين، حيث شملت صفقة حزب الله معتقلين لبنانيين وعرباً تأكيداً على وحدة القضية في الأقطار العربية، بينما شملت صفقة "حماس" معتقلين من كافة الفصائل الفلسطينية تأكيداً على أهمية الوحدة بين أبناء القضية في القطر الفلسطيني الواحد، وبالتالي تصبح عمليات الأسر وصفقات التبادل والتحرير حاملاً ضرورياً لتلاقي أبناء الشعب الواحد على الرغم من اختلاف الانتماءات والاتجاهات السياسية والعقائدية، حتى لو بقي المسؤولون على اختلافهم، وهذا الأمر بمثابة ضربة قاصمة لكل الجهود والمساعي الأميركية والإسرائيلية لزرع الشقاق بين أبناء الصف الواحد تحت ذرائع مختلفة منذ مدريد وأسلو وحتى اليوم. المقاومة لتحرير الأسرى
أما الخلاصة الجوهرية التي تمخض عنها "اليوم الصعب" الذي عاشه نتنياهو وحكومته ومجتمع العدو بتكويناته وألوانه فيتمثل من جديد بنجاعة خيار المقاومة مقابل خيار المفاوضات، وتكريس خيار المواجهة والممانعة مقابل خيار السياسة والصفقات التنازلية التي قزّمت القضية الفلسطينية حتى اليوم إلى صراع حدود بعد أن كان صراع وجود. ولا بد أن الشعب الفلسطيني اليوم مع باكورة تحرير أسراه، ومنهم من حظي بعشرات المؤبدات، قد لمس مرة أخرى بأن سنوات التفاوض الطويلة لم تستطع أن تطلق أسيراً واحداً بل كانت تشكّل في كل محطة من المحطات مناسبة لإمعان "إسرائيل" في استغلال غطاء المحادثات والتحلّق حول الطاولات المستديرة والمستطيلة، لبدءعدوان جديد وارتكاب المجازر، وشن حملات الاعتقال التي طاولت قادة كبار لا زالوا قابعين في الزنازين الإسرائيلية، دون أن ننسى في غمرة الحدث من لا يزال محتجزاً أيضاً في سجون السلطة الفلسطينية.